13 سبتمبر 2025
تسجيلما هي الفرص المتوفرة أمام المسلمين لاستغلال الإعلام الجديد وخاصة الانترنيت للقيام بالدعوة والتعريف بالإسلام والرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والحملات الدعائية المغرضة؟ هل وظف المسلمون الإمكانيات والوسائل التي يوفرها الإعلام الجديد لنشر الثقافة الإسلامية. فللشبكة العنكبوتية ميزات عديدة تؤهلها للعب أدوار محورية للتحاور مع الآخر ونقل التراث الثقافي والحضاري للعرب والمسلمين للآخر. ما هو وضع الثقافة الإسلامية في ظل العولمة وما هي خصائص المجتمع الرقمي؟ إلى أي مدى عولمت تكنولوجيا الاتصال الجديدة الثقافة وجعلتها أحادية البعد؟ ما هي الفرص المتوفرة لنشر الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي وما هي التحديات التي تواجهها هذه العملية في عصر تحكمه القوى العظمى وتسيطر على صناعة الصورة فيه الشركات الإعلامية والثقافية المتعددة الجنسيات. وأخيرا تناقش الورقة آليات وسبل نشر الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي حيث ضرورة اعتماد لغة العصر وثقافة الحوار والتواصل بين الحضارات وتوفير الإمكانيات والموازنات الضرورية بالإضافة إلى التنسيق بين الجهات المختلفة لإيصال الثقافة الإسلامية إلى المنابر العالمية. والمشكل هنا يطرح على مستويين، المستوى الأول وهو الصورة الباهتة و الضعيفة للإسلام داخل الدول الإسلامية نفسها حيث أن وسائل الإعلام العربية و قادة الرأي لم ينجحوا في احتواء الصور النمطية والآراء المشوهة والمضللة للإسلام والمسلمين، كما أن الإسلام السياسي وما أفرزه من تضارب الآراء والأطروحات ترك الشارع العربي والإسلامي في مفترق الطرق. في ظل هذه التناقضات الحادة غاب العمل الإعلامي الهادف و غابت إستراتيجية توّجه القنوات الفضائية العربية للتركيز على الإنتاج وتقديم المادة الإعلامية الهادفة و تزويد الجمهور المستقبل بالرصيد المعرفي والثقافي والديني والحضاري حتى لا يضيع في وسط التدفق الإعلامي العالمي الذي لا يعرف حدود ولا قيم و لا دين. و في خضم العولمة والثورة المعلوماتية جاءت غالبية الفضائيات العربية لتكرس التبعية و تذوب في الثقافة العالمية وفي الآخر وتنجرف مع التيار في غياب الانتاج والمادة الإعلامية الهادفة وفي التركيز على الربح وتحقيق أكبر قدر من المردود المادي على حساب القيم والمبادئ ، وأصبح هدفها هو البث فقط و بث أي شيء بغض النظر عن من هو المنتج و ما هي هويته و ماذا يحمل من قيم في هذه المادة المعلبة. فالعمل الإستراتيجي على المستوى العربي في ميدان الإعلام يكاد ينعدم تماما واللجنة المنبثقة عن جامعة الدول العربية لم تستطع أن تواجه التحديات خاصة و أن على مستوى كل دولة نلاحظ غياب وضوح الرؤية وغياب بوادر وإرهاصات إستراتيجية ترقى إلى الدور الإستراتيجي للإعلام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.وفي ظل غياب إستراتيجية واضحة لا يستطيع الإعلام العربي مواجهة التدفق الإعلامي الغربي والثقافة العالمية والثورة المعلوماتية والغزو الثقافي. فهذه الأمور كلها بحاجة إلى عمل و تخطيط وتدبير مسبق يعتمد على الدراسة والبحث العلمي وعلى ميزانيات معتبرة وإنتاج في مستوى المنافسة والجودة العالمية. فأي عمل وأي قرار لا يعتمد على مدخلات صحيحة و معلومات وافية يكون مآله الفشل وعدم القدرة على منافسة الآخر. فالإعلام الذي تنقصه الحرية لا يستطيع أن يتوفر على المصداقية ولا يستطيع أن يواجه التحديات المختلفة في عصر العولمة والصناعات الثقافية العالمية. لقد خسر العرب والمسلمون المعركة الإعلامية منذ عقود من الزمن ولم يبق أمامهم سوى التخطيط العلمي و الإستراتيجي لخوض هذه المعركة التي تؤهلهم لعولمة الإسلام وعولمة ثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم وأن يجدوا موقعا لهم على الخريطة العالمية وإلا سيكون مصيرهم التهميش والتضليل والتشويه.يواجه الإعلام العربي تحديات مهمة حيث أنه مطالب بحماية المشاهد العربي من التدفق الإعلامي الغربي ومن التشويه والنمطية وفبركة الواقع حسب أهواء ومصالح القوى الفاعلة في النظام العالمي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو مطالب بإبراز الهوية العربية الإسلامية والثقافة والحضارة والوجود العربي الإسلامي عبر ما يبثه من برامج و إنتاج فكري وأدبي. فهناك إذن تحد حضاري وتحد اجتماعي قيمي. فإلى أي مدى سينجح الإعلام العربي في تحقيق مهمة الدفاع عن الهوية الإسلامية والتاريخ والحضارة العربية الإسلامية ؟ وهل اجتمعت وتوفرت الشروط والمستلزمات لإعطاء البديل ولتقديم ما من شأنه أن يصحح الصور النمطية والتضليل والتشويه ويجيب على الأسئلة العديدة التي تخطر ببال المشاهد الغربي والعربي والمشاهد المسلم في مختلف بقاع العام. هل يستطيع الإعلام العربي أن يتحدى الواقع ويقدم رسالة إعلامية هادفة و جيّدة في قالب يكون بعيدا عن الرتابة والركاكة والروتين. هل يستطيع الحد و إيقاف ذوبان التراكم القيمي والمعرفي والاجتماعي للمسلم في الثقافة العالمية؟ هل يستطيع الإعلام العربي مواجهة الغزو الثقافي والرد على مظاهر الاغتراب والذوبان في الغير؟ نجاح الإعلام العربي والإسلامي الموجه للآخر يعتمد على التخطيط الإستراتيجي وتحديد الأهداف والوسائل الضرورية لتحقيق هذه الأهداف، وكذلك تسخير كل الإمكانيات والطاقات للإنتاج الجيد والهادف. ومن أهم السبل للنجاح وتحقيق الأهداف المرجوة التركيز على البحث العلمي وتكوين وتدريب الإطارات والكوادر وتخصيص الموازنات الضرورية للإنتاج وتشجيع اشتراك القطاع الخاص في الإنتاج الإعلامي والصناعات الثقافية. الكرة إذن في معسكر العرب والمسلمين لتسويق صورتهم وتقديمها للعالم كما هي و ليس كما "يفبركها" الغرب و تجار الحروب والأسلحة.غيرت أحداث 11 سبتمبر ومن قبلها انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية اهتمامات الغرب، من الأيديولوجية الشيوعية إلى الإسلام، هذا الدين الذي ينتشر في 55 دولة ويعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار نسمة إضافة أنه ينتشر بسرعة كبيرة في معظم دول العالم. الإشكالية تحتاج إلى إجراءين اثنين الأول يتمثل في مواجهة حملات التشويه والتضليل والدعاية والحرب النفسية وهذا يحتاج إلى عمل إستراتيجي علمي ومنهجي يقوم على هندسة الإقناع ولغة الأدلة والحجج والبراهين والمنطق. أما الإجراء الثاني فيتمثل في الاستغلال الأمثل للمكانة التي تحتلها البلاد الإسلامية في الخريطة الاقتصادية العالمية فمن بين تسعة بلدان تشكل دول المحور هناك خمس دول إسلامية، وهي الجزائر وتركيا وباكستان واندونيسيا و مصر، تحسب لها أمريكا حسابات كبيرة في سياستها الخارجية. لقد زادت أحداث 11 سبتمبر من حدة صراع الحضارات لكنها في نفس الوقت دفعت بعشرات الآلاف في الغرب لاعتناق الدين الحنيف بعد دراسته وفهمه والتعرف على قيمه ومبادئه السمحاء. فالعالم اليوم شرقه وغربه أمام تحديات كبيرة جدا تتمثل في الحوار والتفاهم من أجل الأمن والاستقرار وإيجاد نظام عالمي عادل ومتكافئ ينعم فيه الجميع بالاحترام المتبادل والتعايش السلمي والأمن والأمان والطمأنينة.