11 سبتمبر 2025

تسجيل

حكم داوود وسليمان

20 يوليو 2014

قال تعالى: (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) الأنبياء 78 – 79 هذه الآية تذكر لنا مجلس قضاء خلده القرآن، والقصة تواترت في كتب التفسير وملخصها أن غنما عدت على صاحب زرع فاختصما إلى سيدنا داوود؛ فقضى بالغنم لصاحب الحرث، فلما خرج الخصمان على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وكانوا يدخلون إلى داود من باب آخر فقال: بم قضى بينكما نبي الله داود ؟ فقالا: قضى بالغنم لصاحب الحرث: فقال لعل الحكم غير هذا انصرفا معي: فأتى أباه فقال: يا نبي الله أنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع. قال: وما هو؟ قال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم [ فيه ] في السنة المقبلة، رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه. فقال داود: وفقت يا بني لا يقطع الله فهمك. وقضى بما قضى به سليمان. وهذه القصة فيها عدة دروس ينبغي أن نتأملها: أولا: أن حكم القضاء اجتهادي، والاجتهاد من البشر معرض للخطأ والصواب، ومن ثم فالتعقيب على حكم القضاء مطلوب، فالقاضي عندما يعلم أن هناك مجتمعا يراقبه، وأن هناك من يراجع أحكامه، فإنه سيتحرى الدقة قدر الإمكان، أما إن أحس أن سلطته مطلقة فقد يجور، إذ أمن أنه لا معقب لحكمه، وعدم التعقيب على الحكم صفة اختص الله بها لنفسه، فالله تعالى قال عن نفسه، "لا معقب لحكمه" أما القول الذي اشتهر وانتشر بأنه لا تعقيب على أحكام القضاء فإنه لا يليق، إذ إن هذه الصفة لم يمنحها الله لأنبيائه فكيف يمنحها للبشر الذين يخطئون ويصيبون ويتكلمون في الرضا والغضب؟! ثانيا: أن الرجوع إلى الحق فضيلة، والقاضي إذا أحس أنه أخطأ فعليه أن يراجع حكمه، وليس في ذلك انتقاص من قدره، بل إنها تزيد الثقة فيه، فالقاضي عنده من الورع والخوف ما يجعله يراجع ويدقق، ومن ثم سيرتاح إليه الخصوم في أنهم لن يظلموا إذ القاضي يبذل كل طاقته في تحقيق العدل. وختاما فقد كانت هذه الحادثة أمام السلف الصالح من القضاة الذين استفادوا منها كثيرا، فروي أن إياس بْن معاوية لما استقضى أتاه الْحَسَن، فبكى إياس؛ فَقَالَ لَهُ الْحَسَن: ما يبكيك ? قال: يا أبا سعيد بلغني أن القضاة ثلاثة؛ رجل اجتهد، فأصاب فهو في الجنة، قَالَ: الْحَسَن: إن فيما قص الله مربياً داود وسليمان صلى الله عليهما ما يرد قول هؤلاء؛ يقول الله عز من قائل: " وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) فأثنى الله على سليمان، ولم يذم داود؛ ثم قَالَ: الْحَسَن: إن الله عز وجل أخذ على العلماء ثلاثاً؛ لا يشترون به ثمناً قليلاً، ولا يتبعون فِيْهِ الهوى، ولا يخشون فِيْهِ أحداً؛ وقرأ هذه الآية: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً[المائدة:43-44]. وهذه القصة لها ما يشبهها في سلفنا الصالح والحديث موصول إن شاء الله