16 سبتمبر 2025
تسجيلولأسبوع آخر تتواصل الحرب على غزة، ظناً من العدو الصهيوني أنه في ظل تواطؤ عربي شبه كامل، وفي ظل حصار خانق على القطاع وسكانه، وفي ظل اختلال موازين القوى العسكرية لصالحه، وصمت العالم عن جرائمه.... ظن أنه قادر على سحق المقاومة في غزة وإسكاتها إلى الأبد.. ونسي الطغاة المجرمون أن الله مع أهل غزة، وهو بإذن الله ناصرهم ومعينهم، وأنه بمثل ما انتصر قلة من المسلمين على الكفار يوم بدر، وبمثل ما انتصر داود وقلة من قومه على جالوت بجبروته وجيشه، فإن الله قادر على أن ينزل ملائكة من السماء لمؤازرة المجاهدين، وصد الغزاة المعتدين، ورد كيدهم إلى نحورهم.. "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين". وقد كتبت فصلاً عن هذا الموضوع في الأسبوع الماضي وعرضت فيه مبررات تفاؤلي بالنصر القادم بإذن الله. ورغم تزايد عدد الشهداء والجرحى على مدى الأيام السبعة الماضية، فإن قناعتي بحتمية النصر القادم لم تتزعزع. وأواصل اليوم الحديث عن مبررات هذا التفاؤل من منظور اقتصادي:1- أن المقاومة استعدت لمثل هذا اليوم جيداً وخاضت قبل ذلك حربين كبيرتين مع العدو في عام 2008/2009 وفي عام 2012، فضلاً عن تواصل مسلسل الاشتباكات المتقطعة معه لسنوات عديدة. وهذا الاستعداد يشمل أمورا عديدة، من بينها تجنيد أعداد كبيرة من الشباب وتدريبهم وبث روح الجهاد وحب الاستشهاد في نفوسهم، ليكونوا عدة القتال يوم الوغى فيرعبون جند صهيون ويفتون في عزمهم على المواجهة، ولا أعجب لذلك من خوف نتنياهو على بدء الحرب البرية الفعلية حتى الآن رغم كل ما معه من حشد، وقد ذكرته في بداية المقال. 2- أن المقاومة قد استفادت من التجارب الأخرى في المواجهة مع العدو، وأدركت أن ضعفها مرده الطبيعة الجغرافية لمنطقة قطاع غزة كسهل ساحلي غير جبلي، مما يجعله مكشوفاً أمام طائراتها وبوارجها البحرية، ولذلك فإنها على مدى السنوات الماضية قد أقامت شبكات من الأنفاق والقواعد العسكرية المخفية تحت الأرض، وفي ذلك إنجاز كبير لما يمثله من الحفاظ على بنية المقاومة سليمة لأطول وقت ممكن... كما أن ذلك نفسه يجعل جنود العدو في حالة رعب دائم من أن يلتف عليهم المجاهدون في أي لحظة يتقدمون فيها إليهم. وهذه الأنفاق قد تم استخدامها لأغراض عديدة إضافية، منها تصنيع الصواريخ وتخزينها، وإخفاء منصات إطلاقها. ثم- وهذا هو الجديد هذه المرة- أن الأنفاق باتت تصل إلى عمق العدو لتباغته من الخلف كما حدث في الأيام السابقة في أكثر من مكان. كما تم بتوفيق من الله تصنيع طائرات من دون طيار كي تزيد من حالات الرعب عند اليهود باستخدامها في ملاحقتهم في أي مكان.3- أنه رغم الآلام والجراح التي يتكبدها أبناء غزة، فإنها طريقهم إلى النصر أو الشهادة التي ثوابها جنة عرضها السماوات والأرض، لقوله تعالى: "ويتخذ منكم شهداء". ويعرف أبناء غزة أنه لا سبيل لهم اليوم إلا الصمود والاستبسال، إذ لم يترك لهم الحصار الإسرائيلي والحصار السيسي شيئاً يحرصون عليه. وفي تزايد عدد الشهداء يوماً بعد يوم خاصة بين الأطفال والنساء وكبار السن من المدنيين، هو اليوم مسجل للتاريخ، ويتم نشره بكل وسائل الاتصال الحديثة لحظة بلحظة، وذلك يراكم من نازية الصهاينة وجرائمها، ويفضح إعلامها المضلل، وقد تكون هذه التضحيات العظيمة ثمناً كي يفيق العرب من سبات نومهم، ويغيروا ما بأنفسهم... والتاريخ يروي لنا كيف أن الثورات العظيمة قد فجرتها آلام التضحيات الجسام، ومعاناة الشعوب.4- لن أعول كثيراً على ما يخسره العدو ماديا في حربه عندما تطول... ذلك أن من العرب من استعد لتعويضه عن ذلك، فضلاً عن الدعم الكبير من الإدارة الأمريكية... ولكنني أعول على انهيار الثقة في نفوس اليهود، وخوفهم من الموت أو الإصابة وهم يدركون في أعماقهم أنهم مغتصبون سارقون لأرض غيرهم، كما أنهم يخشون على أبنائهم من أن يقعوا في أسر المقاومة كما حدث لشاليط من قبل، وهذا ما سيدفعهم إلى التفكير في العودة إلى بلدانهم الأصلية قبل فوات الأوان.5- إن معظم الأنظمة الرسمية العربية قد خرجت من الصراع مع إسرائيل، ولم يعد الفلسطينيون بانتظار القمم العربية كي تدعمهم بوابل من قرارات الشجب والإدانة، لانشغال هذه الأنظمة بمشاكلها الداخلية مع شعوبها، أو لانفضاح تواطئها مع الشيطان ضد الإسلام والمسلمين. ومع ذلك فإن جموع العرب والمسلمين ما زالت مع الحق وتؤازره بما تستطيع من عون، كما أن بعض القادة العظام في أمتنا العربية والإسلامية ما زالوا على الحق المبين، ونشيد في ذلك بالدور البناء لسمو الشيخ تميم بن حمد، حفظه الله، في دعم الشعب الفلسطيني مادياً ومعنويا، وتحرك حكومته الرشيدة بتوجيه منه للتنسيق في ذلك مع بعض الدول الصديقة.