31 أكتوبر 2025

تسجيل

ولكن الله ألّف بينهم ..

20 يوليو 2014

لأن رمضان شهر القرآن ، فإن التدبر والتأمل في آيات القرآن مطلوبان ، وخاصة أن الأجواء المحيطة تساعد على ذلك كثيراً .. وواحدة من الآيات العجيبة التي تستحق التوقف والتأمل والتدبر ، تلك الآية الكريمة في سورة الأنفال التي تتحدث عن المهاجرين والأنصار .. تحدث سبحانه في السورة عن القلوب، وكيف يمكن أن تتآلف، حيث يوضح سبحانه أمراً في غاية الأهمية بقوله ( وألّف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألّف بينهم، إنه عزيز حكيم ) .. وواضح جداً أن القلوب لا يمكن أن تعمل على تآلفها بالمال مهما بلغ وكثر، مالم يألف الله بينها أولاً .. وقبل أن نسترسل أكثر لنقرأ مناسبة نزول الآيات أولاً . لقد كانت العداوة بين الأوس والخزرج من الأنصار قبل الإسلام شديدة ضارية، بل إن تلك الجاهليات ظهرت بينهم حتى بعد دخولهم الإسلام ، وحضرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بينهم !! فلقد كانت حرباً جديدة على وشك أن تقع بينهم ، وكان يمكن أن تُسال دماء كثيرة وتزهق أنفس عديدة، لمجرد أن يهودياً بغيضاً ، ذكّر الأوس ببعض عداوات وضغائن القلوب الماضية التي ما زالت عالقة في الأذهان وكامنة في النفوس ضد الخزرج، فهاج هؤلاء وثار أولئك .. لكن من حسن حظ الطرفين أن الأمر وصل سريعاً إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي أطفأ بحكمته شرارة نار عظيمة أرادها ذاك اليهودي البغيض أن تشتعل وتكون نار عظيمة تحرق قواعد الإسلام وأساساته والمتمثلة في الأوس والخزرج.. لكن بسبب مواقفهم الداعمة للإسلام والمسلمين ، فقد تكفل الله سبحانه بتأليف قلوبهم لمجرد سماع كلمات ومواعظ من فم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .. إن نصرتهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو في أمس الحاجة الى ذلك ، كانت بمثابة أفضل جزاء دنيوي لهم على تلك النصرة، والمتمثل في ذاك التآلف السريع الذي أكرمهم الله به، حيث انتهت وتوقفت إسالة الدماء ودموع الأحزان، التي كانت ساخنة بينهم في الجاهلية بدخولهم الإسلام أولاً ، ومن ثم نصرتهم للحق ونيل شرف نصرة خير البشر ودينه ، فكان جزاؤهم أن تآلفت قلوبهم من بعد سنوات الغل والثأر والدم والكراهية ، وهو أمر لو نتفكر فيه عظيم .. يقول ابن عباس رضي الله عنهما، إن الرحم لتُقْطَع، وإن النعمة لتُكْفَر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيئاً، ثم قرأ ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ) وطبيعي أن الآية لا تقتصر على الأنصار فقط، بل على كل القلوب البشرية من بعد الأنصار، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..