02 نوفمبر 2025
تسجيلالغرب (الديمقراطي) لم يستطع إخفاء ارتياحه لمآلات الأوضاع في مصر حيث تضافرت قوى داخلية وخارجية مناهضة لما يعرف بالإسلام السياسي في تداعياته، فقد رأت صحيفة لوموند الفرنسية أن الإسلام السياسي أصبح في مأزق عقب عزل الرئيس محمد مرسي، وقالت إن الإسلام السياسي فقد معركة حاسمة معتبرة مشروع حكومة الإخوان المسلمين سجل إخفاقاً في مصر. ومضت الصحيفة تؤكد أن شعار الإسلاميين (الإسلام هو الحل) لم يعد له مصداقية بعد الآن، ورأت الصحيفة أن الإسلام السياسي ما هو إلا حركة احتجاجية في المقام الأول وليس برنامجا حكوميا جاداً.. الإخوان المسلمون في مصر لم يفهموا أو أنهم فهموا وتجاهلوا، أن الغرب إن قبل التعايش مع الإسلام السياسي فإنه يريده منزوع الدسم؛ أي أن إسلامية الدولة تكون محصورة في تطبيق الحدود وقوانين الميراث، حينها سيتجاهل الغرب تطبيق الحدود رغم أنها في ثقافته مناهضة لحقوق الإنسان وكذلك سيتجاهل منع المرأة قيادة السيارة على سبيل المثال ما دام نظام الحكم ينأى عن تفعيل حقيقي للفكر الإسلامي وتنزيل طروحاته السياسية والاقتصادية إلى أرض الواقع. المأزق الحالي الماثل هو إن أجريت انتخابات حرة ونزيهة عقب عزل الرئيس محمد مرسي فإن المعادلة السياسية التي أتت بالإخوان ستعيد نفسها وإن لم تكن نزيهة فستكون مصر إزاء نسخة جديدة لنظام مبارك السابق الذي اشتهر بتزوير الانتخابات.. المشفقون يشيرون إلى حل وسط وهو طريق التمثيل النسبي أو ما اصطلح على تسميته في لبنان بالديمقراطية التوافقية، بمعنى أن يتم تجاهل واقع الأوزان الانتخابية والاستعاضة عنه بتقسيم (كيكة) السلطة بين القوى السياسية بنسب لا علاقة لها بتلك الأوزان.. ولعل من الدروس المهمة في المشكلة اللبنانية أن هناك نظاما سياسيا للحكم تواضع عليه اللبنانيون وأرسيت دعائمه عبر حقب متعاقبة من الحرب واللاحرب، فهو نظام من صناعة لبنانية خالصة وبمواد محلية نشأت وتشكلت من تضاريس الواقع السياسي اللبناني.. والديمقراطية التوافقية في لبنان لها الكثير من المعارضين والمعترضين على أسسها، لأنها تعني أن يكون لكل طائفة نصيبها المتفق عليه من كعكة الحكم بغض النظر عن أقلية أو أكثرية هذه الطائفة أو تلك، ولذا قد كان هناك توافق بين دهاقنة السياسة اللبنانية في وقت سابق بأن يكون رئيس الجمهورية مارونيا، ورئيس الوزراء سنيا، ورئيس مجلس النواب شيعيا. ونتج عن هذا الأمر طغيان ما عُرف بالمارونية السياسية التي وجدت دعما ومساندة غربية مشهودة آنذاك. وألّف آرنت ليبهارت كتابا باسم (الديمقراطية التوافقية في عالم متعدد) صدر عن معهد الدراسات الإستراتيجية في بيروت جاء فيه: (ولدت النظرية التوافقية من الحاجة إلى توسيع ديمقراطية الأغلبية المعهودة، أي منع الأغلبية من التسلط على الأقلية، ومنع الأقلية من تخريب الديمقراطية ذاتها بحجة وجود أغلبية تستبد برأيها).. الديمقراطية اللبنانية لم تضع حداً للمشكلات السياسية في لبنان وظلت لبنان إلى يومنا هذا على شفا حفرة من الحرب الأهلية.. العجيب في أمر هذه الديمقراطية التوافقية أنها تعطي الأقليات السياسية المرتبطة بالطوائف الدينية حق فرض التوافق فرضا وقسرا علاوة على أنها ترفض حق الأكثرية إذا كانت لا تناسب الأقلية؟!. إن كيل الغرب بأكثر من كيل بشأن الديمقراطية جعلها تبدو كمفهوم هلامي بيد أن هلامية مفهوم الديمقراطية أمر يبدو أنه مقصود في حد ذاته بغرض ذر الرماد على العيون وإتاحة هامش من المرونة يمكّن من الاستخدام السياسي لهذه المفهوم عند الحاجة فتصبح الديمقراطية سيفا مشرعا في وجه القوى المتمردة على النظام الدولي الجديد والنازعة إلى المضي في طريق الإسلام السياسي كامل الدسم. خلاصة القول وصفوته أن على أي نظام حكم ألا ينفي ويضطهد الرأي الآخر، فالرأي الآخر شرط ضروري في عملية الالتزام بالعقد الاجتماعي.. الكثير ممن تصدى للعمل السياسي لا يكاد ينفك من داء الخلط بين الدولة والحكومة أو النظام السياسي القائم فتستحيل عنده الفواصل بين الاثنين إلى سراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.