31 أكتوبر 2025
تسجيليشعر الإخوان المسلمون وقطاع واسع من المصريين والعرب أن ما حصل في 3/7 كان انقلابا عسكريا مكتمل الأركان ، وإن جاء فريدا في طريقته في عالم الانقلابات العسكرية ، وهو يستحق بجدارة أن يُدرّس على أنه من أذكى أنواع التحايل في تجارب العسكر الانقلابية على الحكم ، ممتطياً ظهور حشود بشرية ، هندس تشكيلها ورعى نماءها لحظة بلحظة . وقد يكون من السذاجة بمكان أن يصدق البعض أن ما حصل لم يكن أمرا مدبرا بليل ، والشواهد على ذلك كثيرة على حدّ وصف الإخوان ومن يدعمهم. قد يكون هذا صحيحا أو بعضه ، ما يهمنا هنا ما ترتب على هذا التحول الانقلابي أو الثورة التصحيحية كما يحلو لمن في السلطة اليوم تسميتها. وسط هذه السكرة التي رفعت أناسا وخفضت آخرين ، يتحمس البعض ويسترسل حالماً ، مطلقاً العنان لتمنياته ، فيسقطها على رؤيته السياسية بعيداً عن واقعية أو منهجية ، فينتفض قائلاً : "كانت الضربة القاضية لتيار الإسلام السياسي ..انتهى عهد الإخوان .. رميناهم في مزبلة التاريخ" .. ما سبق كلامٌ، مللنا سماعه لكثرة تكراره ، بجميع العبارات وبكل المفردات المسالة،على ألسنة بعض السياسيين ، وأغلب ألسنة الإعلاميين المصريين . الإخوان المسلمون ، كانوا وما زالوا ، جزءًا أساسياً من مكونات الشعب المصري ، بل إن ولادتهم سبقت ولادة "جمهورية مصر العربية"، وكلّ النظم التي تعاقبت على حكم مصر كانت تتعامل مع الإخوان كخصم عنيد حتى تكرست "ثنائية ضدية" في الحياة السياسية المصرية . هذه الثنائية يشكلها النظام في طرف ، وتجسدها جماعة الإخوان المسلمين المعارضة في الطرف الآخر ، فلا استطاع النظام يوماً أن يهضم الإخوان ، ولا استطاع الإخوان أن يتحولوا من صف المعارضة إلى صف النظام حين ابتسمت لهم السلطة وأصبحوا أهلها . لقد لازمتهم عقدة الاضطهاد التي طالتهم لثمانين سنة خلت ، ودفعتهم لعدم الثقة بمن هو خارج بيتهم الداخلي ، وجرت عليهم الويلات التي يعيشونها حالياً . كانوا في الحكم وعقولهم ما زالت تنتمي إلى حقبة ما قبل ثورة 25 يناير 2011 . لا يتسع المقام ، ولا يهدف أصلاً ، لسرد أخطاء الإخوان . وهدفنا هنا استشراف ما قد يقدم عليه الإخوان للخروج من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه أو دفعوا إليه دفعاً . سيناريوهات مفروشة أمام الإخوان : السيناريو الأول : بقاء الإخوان في الشارع ، وتزايد عدد الحشود المتعاطفة معهم قبل حلول موعد الانتخابات القادمة ، وهو ما سيشكل قلقا للنظام الحالي الذي سيسعى للبحث عن مخرج ، ما يعني انهيار الانقلاب العسكري وعودة الأمور إلى سابق عهدها . وهو سيناريو تراهن عليه علنا جماعة الإخوان لكن إمكانيات تحقيقه قد تكون صعبة. السيناريو الثاني : خضوع الإخوان في نهاية المطاف أمام تعنت العسكر والقبول بالأمر الواقع ، ومن ثم العودة للبناء من جديد تربوياً وسياسياً. وهذا سيناريو مثالي وحالم أكثر منه واقعية . السيناريو الثالث : الوصول إلى حلول وسط لا ترضي العسكر ولا الإخوان وإنما تمليها ضرورات تجنيب البلاد الانزلاق نحو حرب أهلية طاحنة. والحلول الوسطية على شاكلة تنحي مرسي ، والدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بإشراف دولي على أن تكون هناك حكومة انتقالية مصغرة هدفها الأساسي إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، ويسمى رئيسها محمد مرسي دون اعتراض من العسكر والقوى السياسية الأخرى . السيناريو الرابع : استمرار رفض الإخوان للمشاركة السياسية في العلن والبقاء في الشارع مع عجزهم في التأثير على النظام الحاكم ، حينها ستعمد الجماعة إلى توجيه قواعدها الشعبية للتصويت لصالح شخصيات قريبة منها أو لا تنتمي لها بصورة رسمية ومباشرة على أمل العودة للحكم من جديد. وهذا يتطلب تعاوناً وتحالفاً وثيقا بين التيارات الإسلامية لمواجهة ما تخطط له القوى المدنية التي تسعى لخطف مصر من يد التيارات الدينية ، وعدم السماح لها بقيادة الدولة في حين قد تقبل بها كمعارضة أو كشريك غير مؤثر في رسم السياسات الموضوعة للدولة . السيناريو الكارثي : الذهاب نحو حرب أهلية من خلال التسلح والدفع نحو العنف وتعطيل البلاد ، وعلى الرغم من أن قوى كثيرة في النظام الحالي تعمل على شيطنة الإخوان حتى بعد إسقاطهم تمهيدا للقضاء عليهم إلا أن السيناريو المذكور غير واقعي بالمرة ، فجماعة الإخوان ليس من أدبياتها انتهاج العنف ، وهي تعلمت من التجارب المريرة التي خاضتها وخاضها غيرها أن العنف هو انحراف عن المسار ، فضلاً عن أنه اقصر الطرق للانتحار السياسي ، وهو أرضٌ خصبة لاستنبات شجر التطرف الديني الخارج عن الخط السنّي الوسطي . ويبقى السؤال : ما الخيارات المتاحة أمام الإخوان للخروج من الأزمة ؟ هل سيأخذون بواحد من السيناريوهات السابقة أم سيكون تفكيرهم من خارج الصندوق ؟ الله أعلم.