14 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا اتبع أهل اليمامة مسيلمة الكذاب؟

20 يونيو 2015

لا أعلم أحدا ألصقت به صفة الكذب غير مسيلمة، فأصبح الاسم والصفة متلازمين، وإذا كان الرجل بهذه الشهرة، وألصقت به صفة الكذب بصيغة المبالغة كذاب، فهو كثير الكذب، فالمنطق يقول: إن الثقة تكون فيه منعدمة، وإن كلامه لا ينبغي أن يلقي الناس له بالا، ولكن الذي حدث هو العكس، بل استمع له الناس وجعلوه قائدا عليهم، وصدقوه في ادعائه النبوة وتقاسمه الأرض مع النبي –صلى الله عليه وسلم- وهذا يجعلنا نتوقف عند هؤلاء القوم لنرى ما الذي ذكره المؤرخون عنهم.تشير الروايات أن أهل اليمامة هم بنو حنيفة أسلموا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وكان منهم مسيلمة ثم حدثت الردة التي أعقبتها الحرب، داء في تاريخ الرسل والملوك هذه الرواية:"قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب، فكان منزلهم في دار ابنة الحارث، امرأة من الأنصار، ثم من بني النجار".وفي رواية أخرى:"عن شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة، قال: كان حديث مسيلمة على غير هذا، زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلفنا صاحباً لنا في رحالنا وركابنا يحفظهما لنا. قال: فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به للقوم، وقال: أما إنه ليس بشركم مكاناً، يحفظ ضيعة أصحابه، وذلك الذي يريد رسول الله. قال: ثم انصرفوا عن رسول الله وجاءوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله، فلما انتهى إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم، وقال: إني قد أشركت في الأمر معه، وقال لوفده: ألم يقل لكم رسول الله حيث ذكرتموني: "أما إنه ليس بشركم مكاناً"! ما ذلك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت معه، ثم جعل يسجع السجعات، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن:(لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق محشى) ، ووضع عنهم الصلاة، وأحل لهم الخمر والزنا، ونحو ذلك. فشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي، فأصفقت بنو حنيفة على ذلك، فالله أعلم أي ذلك كان".فهاتان الروايتان تختلفان في حضور مسيلمة مع وفد بني حنيفة وهم أهل اليمامة مسلما وبين أنهم أبلغوه بلقاء رسول الله، لكن الثابت منهما أن بني حنيفة قبلت الإسلام، ولكنها أرادته إسلاما بلا تكاليف، فأعجبها قول مسيلمة الذي اعترف بنبوة الرسول، ولكنه أحل لهم الموبقات، فأول ملمح لهذا المجتمع الذي انتشر فيه كذب مسيلمة أنه مجتمع يميل إلى الانحلال الأخلاقي الذي يريد له غطاء شرعيا وفره لهم مسيلمة الكذاب.وما ساعد مسيلمة على انتشار كذبه بعض أراذل المجتمع الذين يستفيدون من الوضع القديم بانحلاله الخلقي، لأن الإسلام يجب ما قبله، وسيغير نظام حياة في اقتصادها وسياستها واجتماعها، ومن ثم فمن الطبيعي أن نجد المنتفعين من الوضع القديم يحاربون أي وضع جديد، وإذا فقد التقت مصالح هذه المجموعة الفاسدة في دعمها لمسيلمة، حيث ستسخر إمكاناتها وطاقتها لاتباع هذا الكذاب، كي تبقي على مصالحها، ولئن كان مسيلمة نفسه معروفا بالكذب، ولكن المجتمع سيفتن ويتردد إذا رأى شخصيات معروفة اتبعته ومن هنا تأتي الفتنة، وهذا ما حدث جاء في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعت بنو حنيفة، فسألت ما فعل الرحال بن عنفوة، فقيل: افتتن، هو الذي شهد لمسيلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أشركه في أمر من بعده، فقال: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق. وسمع الرحال يقول: كبشان انتطحا، فأحبهما إلينا كبشنا.قال المصنف: كذا كان في الأصل في المواضع لها. والصواب ابن عنفرة، والرجال بالجيم، ويقال بالحاء، وهو لقب، واسمه نهار".وحاء في كتاب الكامل للتاريخ ما يفصح عن شخصية الرجال الذي كان السبب الأكبر في أن يسمع بنو حنيفة كذب مسيلمة، قال ابن الأثير: "وكان مع مسيلمة نهارٌ الرجال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلماً لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، فكان أعظم فتنةً على بني حنيفة من مسيلمة، شهد أن محمداً، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره، وكان يؤذن له عبد الله بن النواجة، والذي يقيم له حجير بن عمير، فكان حجير يقول: أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله. فقال له مسيلمة: أفصح حجير، فليس في المجمجمة خير. وهو أول من قالها". وشخصية الرجال هذه تحتاج منا أيضا إلى دراسة لنعرف تأثيرها في تهيئة المجتمع لسماع الكذب وهذا ما سنقوله في الغد إن شاء الله.