14 سبتمبر 2025
تسجيلفي مقال سابق تطرقنا للإرهاب الإلكتروني واستغلال الجماعات الإرهابية للإعلام الجديد وتوظيفه في الدعاية والتجنيد وجمع الأموال والمعلومات وبناء الشبكات والاتصال الداخلي.. إلخ، في هذا المقال نستعرض التحديات ومواجهة هذا الشكل من الإرهاب الذي يعتبر أكثر تعقيدا وخطورة من الإرهاب التقليدي. أصبح الإرهاب الإلكتروني واقعا يفرض نفسه على الدول والأمم والشعوب. فالجماعات الإرهابية لم تتوان يوما ولم تتأخر في الاستثمار والاستغلال الأمثل في الإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته ووسائله ومنابره. الجماعات الإرهابية أدركت منذ الوهلة الأولى أن المعركة هي معركة إعلام وصورة ورأي عام بالدرجة الأولى وأن استخدام الحاسوب المحمول والكاميرا هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية والدعاية وكسب عقول الشباب. تجربة القاعدة ثم داعش تشير إلى نجاح هاتين الجماعتين في تنفيذ برامجهما وأهدافهما من خلال فيسبوك وتويتر وواتس أب وانستجرام وفليكر وغيرهم من محطات وتطبيقات ومنابر الإعلام الجديد. مكن الانترنت والإعلام الجديد الجماعات الإرهابية من القيام بالدعاية والتجنيد وجمع الأموال والاتصال وجمع المعلومات والاتصال الداخلي وبناء شبكات عالمية من المؤيدين والمناصرين. أصبحت جرائم الإرهاب الإلكتروني هاجسا يشغل الدول التي أصبحت عرضة لهجمات الإرهابيين والجماعات المتطرفة عبر الإنترنت والإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته وأنواعه، وقد أصبحت هذه الجماعات تمارس نشاطها الإرهابي من أي مكان في العالم، وفي أي لحظة. هذه المخاطر تتفاقم يوما بعد يوم، لأن التقنية الحديثة وحدها غير قادرة على حماية الناس من العمليات الإرهابية الإلكترونية والتي سببت أضرارًا جسيمة للأفراد والمؤسسات والدول. ولقد سعت العديد من الدول إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة الإرهاب الإلكتروني، إلا أن هذه الجهود قليلة ومازالت بحاجة إلى المزيد من الجهود والبحوث والدراسات والتنسيق والتشريع والتنظيم لاحتواء هذه الظاهرة الخطيرة. فمواجهة الإرهاب الإلكتروني تحتاج إلى استعدادات كبيرة من قبل كل دولة سواء في الجانب المعرفي أو اللوجيستي أو القانوني والتشريعي كما يتوجب على المنظومة الدولية أن تكثف جهودها في التنسيق والتعاون من خلال الهيئات والمنظمات الدولية لمحاربة هذه الآفة العابرة للقارات. كما يجب تشخيص الظاهرة ودراستها من مختلف الجوانب والرؤى حتى يتسنى للدول وللمنظمات الدولية أن تقدم الوصفة العملية الناجحة للتخلص من آفة ما انفكت تنتشر وتتضاعف يوما بعد يوم. فالإرهاب الإلكتروني هو قضية الجميع حيث إنه يهدد أمن وسلامة الجميع بغض النظر عن جنسهم ولونهم ودينهم وجنسيتهم.الوجود الإرهابي النشط على الشبكة العنكبوتية متنوع يتميز بالسرعة في التنفيذ والتأقلم مع الظروف الطارئة. فإذا ظهر موقع إرهابي اليوم سرعان ما يغير نمطه الإلكتروني، ثم يختفي ليظهر مرة أخرى بشكل وعنوان إلكتروني جديدين بعد فترة قصيرة. فالإرهاب الإلكتروني والمعلوماتي هو إرهاب الغد والمستقبل نظراً لتوسع وتعدد وتنوع مجال الأهداف التي يمكن مهاجمتها مع توفير قدر كبير من السلامة للمهاجمين وعدم تعرضهم لخطر اكتشاف هوياتهم أو حتى المواقع التي شنوا هجماتهم منها إلا بعد وقت طويل وجهد في البحث. وللإرهاب الإلكتروني خسائر غير متصورة وهائلة، فتوقف التجارة الإلكترونية مثلاً ليوم واحد قد يتسبب في خسائر لأكثر من ستة مليارات ونصف المليار دولار، وهكذا يمكن لمنظمة إرهابية إلحاق الكثير من الأذى والخلل لأعمال البنوك والبورصات وحركة الطيران، بل وحتى تغيير مواصفات تركيبة الأدوية مما يترتب عليه خسائر مادية وبشرية جسيمة.تعاني مختلف دول العالم مشاكل عدة في محاربة الإرهاب ومواجهته وعندما يتعلق الأمر بالإرهاب الإلكتروني فالأمر يكون في غاية الصعوبة نظرا لأن خصائص الإرهاب الإلكتروني أكثر تعقيدا من الإرهاب التقليدي. والإشكال الذي يُطرح عندما يتعلق الأمر بمواجهة الإرهاب الإلكتروني هو المساس بالحريات الفردية وخصوصية الأفراد وحرية التعبير والرأي والتواصل. حذر الكثير من المختصين من خطر التعدي على الديمقراطية والحرية باسم محاربة الإرهاب حيث إنهم يؤكدون أن الانترنت يتناغم تماما مع مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير والرأي وقيم الشفافية والعدالة الاجتماعية والمساواة. لقد تعاظم النقاش حول إمكانات تنظيم الشبكات الاجتماعية بالتوازي مع تنامي استخداماتها وتنوعها. ومن الصعوبات التي تطرحها الشبكات الاجتماعية أنها منفتحة على عدة فاعلين ومخترقة للحدود الجغرافية كما أنها تدمج عدة تكنولوجيات (صور، نصوص، فيديوهات). ومن أهم المشاكل التي يطرحها تنظيم الإعلام الجديد في مجال الإرهاب حماية الحريات الخاصة وتحقيق التوازن بين حرية التعبير والرأي من جهة ومكافحة الإرهاب والعنف والإجرام من جهة أخرى. الوجود الإرهابي على الشبكة لا يتوقف ولن يتوقف بل إنه يتطور يوما وبعد يوم وأن مواقع التنظيمات الإرهابيات تزداد عددا ونوعية مستغلة آخر التطورات التكنولوجية والفنية. فالمواقع الإرهابية والمتطرفة تزداد وتتطور بسرعة فائقة من حيث التصميم والإمكانات الفنية والتقنية، والإرهابي الإلكتروني أصبح إرهابي الغد والمستقبل. سعت العديد من الدول لمواجهة الإرهاب الإلكتروني من خلال رصد المواقع الإرهابية وسن قوانين لمعاقبة كل من يشجع ويدعم الإرهاب إلكترونيا وكذلك مراقبة نشاط وحركة الأفراد عبر الشبكة، لكن الموضوع ليس بالسهولة التي يتصورها الكثيرون، حيث إن تدخل الأجهزة الأمنية ووكالات الأمن القومي وغيرها قد يؤدي إلى المساس بحرية وخصوصية الأفراد وحرية التعبير. فمحاربة الإرهاب الإلكتروني لا يجب أن تعني بأي حال من الأحوال الاعتداء على الحريات الفردية وحرية التعبير والرأي والاتصال. فالمطلوب إذن هو التعامل مع المشكلة بمهنية وحرفية وبطرق منهجية ومنظمة. وهنا يجب التركيز على فهم آليات الإرهاب الإلكتروني وخصائصه وتطوره من قبل الهيئات المعنية. فعلى المنظمات الأمنية أن تطّور من قدراتها في دراسة الإرهاب الإلكتروني ورصد استخدامات الجماعات الإرهابية للإعلام الجديد. ومن الإجراءات التي يجب أن تتخذها الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب الإلكتروني ما يلي:1- رصد أنشطة الجماعات الإرهابية على الشبكات الاجتماعية وتحليل محتواها وأهدافها والاستراتيجيات المعتمدة.2- رصد نشاط المتعاطفين مع الجماعات الإرهابية وتحليل خطاب العنف والكراهية والتحريض على الإرهاب.3- إشراك المجتمع المدني للتعاون على الإبلاغ على المواقع ذات العلاقة بالإرهاب والإرهابيين.4- العمل عن نشر الثقافة الوقائية وتوعية المجتمع بمخاطر الإرهاب والتصدي له من خلال نبذ الكراهية والعنف وثقافة الإقصاء ونشر ثقافة التسامح والحوار مع الآخر واحترام الديانات والثقافات والحضارات.5- سن القوانين والتشريعات الخاصة التي تسد كافة الثغرات التي تكتنف جريمـة الإرهاب الإلكتروني أو سبل التحقيق فيها، كالقوانين المتعلقة بكيفية اكتشاف الأدلة الإلكترونية، وحفظها، والأدلـة التي تقبل قانونا لإثباتها.6- تنسيق وتوحيد الجهـود بين الجهـات المختلفة في الدولة كالهيئة التشريعية، والقضائية، والضبطية، والفنيـة، وهيئات الأمن القومي والإقليمي وذلـك من أجل سد منافذ جريمة الإرهاب الإلكتروني قدر المستطاع، والعمل على ضبطها وإثباتها بالطرق القانونية والفنية.7- التركيز على التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات والخبرات والاستفادة من المنظمات الدولية المختصة وذات الخبرة للإفادة والاستفادة نظرا للبعد الدولي للأعمال الإرهابية. فهناك دول عانت الكثير من ويلات الإرهاب ودول أخرى تعتبر في بداية مشوارها مع هذه الآفة التي تزداد انتشارا يوما بعد يوم مستعملة كل الوسائل والتقنيات الرقمية.8- إيجاد منظومة قانونية دولية تحت مظلة الأمم المتحدة يعهد إليهـا توثيـق وتوحيـد جهـود الـدول في مكافحـة ومواجهـة الإرهاب الإلكتروني، ويتفـرع منهـا جهـة أو هيئـة محايـدة تتـولى التحقيـق فيً هذه الجرائم، ويكون لها سلطة الأمر بضبط وإحضار المجرم للتحقيـق معـه أي كان مكان وجوده وجنسيته وبلده.9- عقد الاتفاقيات بين الدول بخصوص جرائم الإرهاب الإلكتروني وتنظيم كافة الإجراءات المتعلقة بالوقايــة من هذه الجريمة وعلاجهـا وتبادل المعلومـات والأدلة في شأنها بما في ذلك تفعيـل اتفاقيات تسليم الجناة في جرائم الإرهاب الإلكتروني.10- تعزيز التعاون الدولي من خـلال مراقبـة كـل دولـة للأعمـال الإجراميـة التخريبيـة الإلكترونيـة الواقعـة على أراضيها ضد دول أو جهات أخرى خارج هذه الأراضي بمساعدة المنظمات الدولي والهيئات المتخصصة في محاربة ومكافحة الإرهاب الإلكتروني بمختلف أنواعه وأشكاله.11- تنظيم مؤتمرات وندوات علمية في الجامعات ومراكز البحوث في مختلف دول العالم تضم خبراء وباحثين ومختصين من مختلف التخصصات لدراسة المشكلة واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها.