13 سبتمبر 2025
تسجيلفي العراق اليوم، الذي يعيش على وقع حرب طائفية مستعرة، مع تقدم الهجوم الذي تشنه جماعات سنية من بينها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) بدأ من الموصل وزحف باتجاه العاصمة العراقية بغداد، رافقه تصعيد وتجييش طائفي من جانب الحكومة العراقية بقيادة نوري المالكي الذي يعتمد على ميليشيا شيعية تلقت تدريبات في إيران لصدّ هجوم محتمل على العاصمة، في هذا العراق الذي يعيش في ظل أجواء حرب طائفية، تلتقي إيران مع عدو الأمس، الولايات المتحدة الأمريكية، الملقبة بـ«الشيطان الأكبر» في الخطاب السياسي الرسمي، من أجل مواصلة العمل لتحقيق الهدف المشترك، ألا وهو تعزيز بقاء نظام نوري المالكي، ومواجهة هجوم الجهاديين السنة. هذه القصة باتت مألوفة، إذ يمكن أن تتقاطع المصالح بين هذين الخصمين منذ أكثر من ثلاثين سنة، فغزو العراق واحتلاله سنة 2003شكلا هدية أمريكية ثمينة لإيران، لاسيَّما وأن سلطات الاحتلال الأميركية آنذاك دمرت الجيش العراقي بعدما أطاحت بنظام صدام حسين، وقوّت حلفاء إيران داخل العراق، وجعلت من مناطق عديدة في العراق ساحة آمنة للنفوذ الإيراني القاطع. ففي ظل هذا الإجماع الجيد، كان ردّ الفعل للإدارة الأمريكية الحالية والقيادة الإيرانية بنفس الطريقة إزاء تقدم القوات المهاجمة من جانب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"(داعش). فالأمريكيون والإيرانيون مستعدون لمساعدة حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، للدفاع عن نفسها ضد هجوم "داعش". وكانت الحكومة العراقية التي تشكلت بعد انتخابات 2005، تمثل "الشيعية العراقية" التي أصبحت ماسكة للسلطة في العراق ومتحالفة مع واشنطن، وأضحت أيضا في صدارة الحكم ضمن صيغة الدولة العراقية ذات الشخصية الفيدرالية على صعيد العلاقات بين القوميات وذات الشخصية الطائفية غير المستقرة إلى حد الآن – على صعيد العلاقة بين طائفتي عرب العراق، الشيعة والسنة. إن حكومة نوري المالكي التي جاءت بها الولايات المتحدة الأمريكية إلى السلطة ضمن "معادلة ديك تشيني"، تمثل نظاماً سياسياً زبائنياً ومذهبياً وعاجزاً عن القيام بأي إصلاح سياسي من شانه أن يساهم في بناء دولة القانون، هي مدينة للولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت لها كل مقومات الدعم غير المشروط لاستمرار بقائها في السلطة، والذي لا يمكن للمالكي الاستغناء عنه، والتي عبدت لها أيضا الطريق لكي تكون مقبولة من قبل النظام الرسمي العربي، لكي يستوعب "الشيعية العراقية " التي هي أكبر وأهم كتلة مسلمة شيعية في العالم العربي، دينياً وسياسياً واقتصادياً، باعتبارها أفضل طريقة لإبعادها عن وحدانية النفوذ الإيراني، قد صادقت على الاتفاقية الأمنية، حتى وإن اعترض نوري المالكي علنا على بعض بنودها، ولاسيَّما تلك المرتبطة بالولاية القضائية للحكومة العراقية، والسيادة. وعقب سقوط الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق في أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام "(داعش) الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في بيان أن سفينة النقل البرمائية ميسا فيردي دخلت إلى مياه الخليج وعلى متنها 550 من مشاة البحرية لدعم أي نشاط أمريكي محتمل لمساعدة الحكومة العراقية. وتنضم السفينة إلى حاملة الطائرات "جورج إتش. دبليو. بوش" التي أمرت الوزارة يوم السبت الماضي بأن تتحرك إلى الخليج بالإضافة إلى طراد الصواريخ الموجهة "فيليباين سي" والمدمرة "تروكستون" تحمل صواريخ موجهة. وقالت وزارة الدفاع في بيان "السفينة ميسا فيردي قادرة على القيام بمجموعة من عمليات رد الفعل السريع والاستجابة للأزمات". وتحمل السفينة قطعة ملحقة لطائرات "إم في 22 اوسبري". وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحدث عن عمل عسكري "فوري" يجب القيام به في العراق، من دون إرسال قوات ميدانية، وهو ما فسّر على أنه لجوء أمريكي محتمل إلى الغارات الجوية أو الضربات الصاروخية لمنع تقدم "جهاديي داعش" نحو العاصمة العراقية، وإدراك امريكي - ولو متأخر - بفداحة المشهد العراقي، وربما الإقليمي، إذ قال أوباما صراحة إن "الرهان هنا هو ضمان ألا يستقر الجهاديون بشكل دائم في العراق أو في سوريا أيضاً". وتابع قائلاً "لكن يجب أن يكون ذلك أيضاً تنبيهاً للحكومة العراقية. يجب أن يكون هناك مكوّن سياسي". ومن الجانب الإيراني، أجری الرئیس الإيراني حسن روحاني اتصالاً برئیس الوزراء العراقي نوري المالكي، حيث أشار إلی أنّ "إیران حكومة وشعبا تقف إلی جانب الشعب والحكومة العراقیة". وقال روحاني إنّ حكومة بلاده "ستبذل قصارى جهدها علی المستوی الدولي والإقلیمي لمواجهة الإرهابیین ولن تسمح لحماة الإرهابیین أن یمسوا الأمن والاستقرار فی العراق من خلال تصدیرهم الإرهاب إلی هذا البلد"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية.وكانت مصادر من المعارضة العراقية، قالت إن طهران أرسلت 3 ألوية من قوات الحرس الثوري و"فيلق القدس" لمساعدة القوات الحكومية في معاركها لاستعادة السيطرة الكاملة على منطقة الأنبار، فيما تطوع حوالي 5000 إيراني للدفاع عن "الأماكن المقدسة" في العراق، أمام زحف المسلحين على ما أفاد موقع إنترنت إيراني محافظ، الثلاثاء. فإيران تحت غطاء نشر الثورة الإسلامية في بعدها الطائفي الشيعي، تعمل في حقيقة السياسة الواقعية إلى خدمة أهداف مشروعها القومي الفارسي، الذي يعمل على إبقاء العراق تحت الهيمنة الإيرانية، والادعاء بمحاربة العدو الصهيوني عبر دعم حزب الله في لبنان، لكي تقايض إيران الغرب بشأن برنامجها النووي، ويتم الاعتراف بها كقوة إقليمية في المنطقة. هذا التلاقي في المصالح الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، يمكن أن يسهل المفاوضات الجارية بشأن البرنامج النووي الإيراني التي استأنفت، يوم الإثنين 16 يونيو الجاري، في فيينا، ويأمل المشاركون فيها أن يتوصلوا إلى اتفاق من جزأين حتى 20 يوليو المقبل: ضمان البرنامج النووي لطهران ألا يتضمن أي بعد عسكري؛ ورفع العقوبات الاقتصادية والمالية المطبقة ضد إيران. إيران كما هي أمريكا، لا تريدان أن تتشكل دولة وطنية ديمقراطية في العراق، حاملة لمشروع وطني، لأن هذا يتناقض مع المصالح الإستراتيجية الإقليمية لإيران، ومع أهداف الكيان الصهيوني، الذي يرفض أن يلعب العراق دورا إقليميا في المستقبل. في كتابه الهزيمة الذي صدر في لندن سنة 2008، يقارن الكاتب جوناثان ستيل، مراسل صحيفة الجارديان للشؤون الخارجية، بين هذين الاحتلالين الألماني والياباني واحتلال العراق، فيقول إن المحتلين الغربيين لألمانيا لم يفرضوا على هذا البلد مؤسسات غريبة عنه، بل كانوا يحاولون استعادة نظام سياسي واقتصادي كان قد اختل نتيجة الدكتاتورية النازية التي دامت ثلاث عشرة سنة أي فترة قصيرة بالحسابات التاريخية. ومما ساعد في نجاح تلك التجربة أن المحتلين كانوا مشابهين في خلفيتهم الثقافية وتربيتهم وقيمهم للشعب الذي حرروه. فلم يكن ثمة صدام ثقافات كبير.. أما في العراق، فلم يأخذوا في الاعتبار طبيعة المجتمع العراقي، أو تاريخ العراق، أو مخزون السخط العربي العميق في المنطقة، مما سيحكم بالفشل على أي احتلال غربي. ليست مؤسسات الحكومة العراقية بزعامة نوري المالكي سوى أضحوكة، بما أنها على حافة الانهيار. ومن جانب آخر الجيش العراقي منقسم في معظمه إلى كتائب سنية وشيعية وكردية، حيث ترفض الوحدات بصورة دائمة تنفيذ الأوامر القادمة من السلطة المدنية، إذ كانت تتعارض مع تمنيات المرجعيات الدينية أو الإثنية.وفي مناخ الحرب الأهلية هذا، أي إستراتيجية تهدف إلى بقاء حكومة نوري المالكي بمؤسسات تضمن الأمن الوطني، مثل الشرطة والجيش، ليس لديها أي حظ من النجاح. فالمشكلة لا تكمن في أن حكومة المالكي حكومة طائفية بامتياز، وإنما علاوة على ذلك هي لا تسيطر على أي شيء، لاسيَّما في العاصمة بغداد. فالشرطة والجيش ليسا الضامنين غير المنحازين للأمن العام، وإنما المليشيات المتورطة في الحرب الأهلية. إن الخطأ الاستراتيجي الأمريكي وقع بسبب ضرب العامل الوحدوي في العراق، ألا وهو الجيش، بينما بقي هذا العامل قائما عبر الدوائر والمؤسسات في كل من ألمانيا واليابان بعد وقوعهما تحت الاحتلال الأمريكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث لم يحصل في البلدين أي خلل على صعيد الأمن الداخلي.. أما في حال العراق، فقد تم تدمير وحدته المجتمعية وتنوعه الديني والمذهبي والعرقي بعد الغزو الأمريكي في العام 2003، حيث عجزت السلطة العراقية الجديدة عن بناء دولة مدنية مركزية حديثة، الأمر الذي جعل الأكراد يستغلون ضعف السلطة المركزية لكي يعيدوا تجديد مطالبهم بشأن الانفصال وبناء دولة كردية مستقلة. وفي جانب العرب السنة، فإن الأحزاب السنية التي رفضت الاحتلال الأمريكي للعراق، وانبثقت منها مقاومة خاضت صراعا مسلحا ضد القوات الأمريكية، نجدها بعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، متوجسة خوفا من "النفوذ الإيراني" الذي يدعم المشروع الطائفي الشيعي في العراق، ويعمل على تهميش العرب السنة.