14 سبتمبر 2025

تسجيل

فاز مرسي.. ولكن..

20 يونيو 2012

حتى كتابة هذه السطور لم يكن أعلن رسميا في مصر عن فوز " الدكتور مرسي " وإن كان هذا الفوز محققا من الناحية الموضوعية والحكمية وبحساب ما تم الإعلان عنه في اللجان الفرعية.. ومع أن من المستحيل أن يغلب اثنا عشر طعنا ضد السيد مرسي مائة وأربعين طعنا ضد شفيق لتنقلب المليون والثلاثمائة ألف صوت الفارقة بينهما لصالح الأخير.. مع ذلك فإن المجلس العسكري وكما رأيناه عبر السنة والنصف الماضية وهي عمر الثورة المصرية قد كشف عن عمق انتمائه لعهد وأيديولوجية وولاء الرئيس الساقط والعهد البائد.. هذا الكشف يجعل من الممكن توقع أن يغامر المجلس العسكري بإعلان فوز مرشحه " شفيق " أو على الأقل أن يقلص الفارق بين المرشحيْن إلى درجة أن يكون تغلب مرسي فيها بعشرات أو مئات وربما بآلاف قليلة من الأصوات تزهد في نصره وتستل منه كاريزما الرئاسة وتحضر شفيق أو الفلول لوجاهة تشكيل حزب له صورة الدعم الشعبي والشرعي.. هذا أمر متوقع من العسكري بالأخص بعد أن رأيناه يستل من الرئيس القادم معظم اختصاصاته ومعظم صلاحيات الرئاسة وبعد أن حل البرلمان واستولى على شرعيته في تحد وإهانة وتعد على الشعب المصري الذي اختار نوابه لأول مرة بطريقة حرة وشفافة وثورية..  لقد بات واضحا وبما لا يدع مجالا للشك أن العسكري لن يترك الحكم يوم 30 / 6 القادم كما تعهد وأقسم على ذلك أغلظ الأيمان.. وواضح أنه لا يحترم الديمقراطية ولا يقدر إرادة الناس وواضح أنه يفرض نفسه وصيا على الثورة وعلى الشعب المصري وعلى النواب وعلى مؤسسات الدولة بل وحتى على الرئيس.. ثبت ذلك في كل المنازل التي نزلها منذ المكيدة التي قطع بها سيده المخلوع طريق الثورة وصادر إنجازاتها.. وواضح أن فترة حكم مرشح الثورة الدكتور مرسي لن تكون سهلة ولا عادية، وأنه يراد ألا يتحقق من برنامجه ما يفترض أن يؤكد جدية الإسلاميين واقتدارهم على ممارسة الحكم والعمل الرسمي وحبهم لشعبهم وفهمهم للديمقراطية في أعلى وأبهى صورها.. يعلم العسكر أن ذلك – النجاح والنموذج - لو تحقق فسيكون انقلابا موضوعيا على ثقافة سنوات وعقود وقرون سوقت الظلم والفساد والنهب والسلب والخراب اليباب من حكم العسكر ومن يحميهم العسكر على أنه أفضل الممكن وأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان.. وسيكون تصويبا وتصحيحا لعهود متلاحقة وممتدة من التشويش على الإسلام والمشاغبة والتشويه للإسلاميين..  قد يعلن فوز " مرسي " ولكن المجلس العسكري يريده رئيسا يصدق عليه قول من وصف حاكما خانعا لوصيفه ومساعده بقوله (يقول ما قالا له // كما تقول الببغا) يريده رئيسا من هذا الطراز وتقبله أمريكا ويقبله الغرب ويقبله الكيان الصهيوني.. يذكرنا ذلك بما فعله المجلس التشريعي الفلسطيني ذي الأغلبية الفتحوية عشية فوز حماس بمعظم مقاعده في انتخابات 2006.. يومها اجتمع طارئا في 13 / 2 قبيل أيام من تسلم المجلس الجديد لينزع الكثير من صلاحيات نفسه " التشريعية " والكثير من اختصاصات الوزارة وليلحق كل ذلك بالرئيس – الفتحوي - في تعبير واضح عن روح العناد والرفض لنتائج الانتخابات.. ثم رأينا كيف انتهى ذلك العناد لصدام دموي حزنا على ما ترتب عليه من انقسام لا تزال تعاني من آثاره القضية الفلسطينية والعلاقة الفصائلية والوحدة الوطنية..  فاز " مرسي " في مصر سواء أعلنت لجنة الانتخابات ذلك رسميا أو لم تعلنه وسواء جعلت الفارق بينه وبين مرشح الفلول كبيرا أو قليلا.. في كل الأحوال يجب أن تؤكد مسيرة السنة والنصف من الثورة وما انتهت إليه من تبدلات وإخفاقات أو نجاحات على جملة من الحقائق والمقتضيات التي يجدر الالتفات لها وأخذ ما سيترتب عليها من تحديات مآخذ الجد ومواضع التنبه.. وأقول:  فاز " مرسي " وتحقق به للشعب المصري بعض غايته ونجحت إلى هذا الحد ثورته.. " فاز مرسي " وقام في مصر ولأول مرة رئيس مدني بل وإسلامي وإصلاحي.. فاز " مرسي " رغم كل الذين حاولوا الترويج أنه مرشح " الإخوان المسلمين " ومرشح الإسلاميين فقط وليس مرشح الثورة ولا مرشح المصريين بكل تلاوينهم وتصانيفهم وتفاريقهم.. فاز " مرسي " وأكرم الله تعالى الشيخ القرضاوي وأمثاله من العلماء الربانيين - ولا نزكي على الله أحدا - الذين ينظرون بنور الله وأحسنوا الظن بالله حتى حلف حالفهم أن مرسي هو الفائز ؛ فأبر الله قسمه وصدّق ظنه ؛ فيما آخرون انتسبوا للدعوة والعلم الشرعي مازهم الله تعالى لا بكرامة السبق إلى الخير ولا الولاء لله ورسوله والمؤمنين وحفظة كتاب الله ولكن مازهم بالحيرة والجهل فسقطوا وانهال عليهم تراب التلبّس والعمه.. فاز " مرسي " وانتخبه أكثر من ثلاثة عشر مليونا صحيحين صادقين رغم كل الذين طالما اتهموا الإخوان وأشاعوا عليهم كل ما يشوه ودهم الضافي وانتماءهم الصافي.. فاز " مرسي " رغم كل محاولات التزوير بكل أنواعه وأشكاله ورغم كل ما أنفق أولياء الشيطان ليسدوا الطريق على دعوة الله ودين الله فخاب الكيد وخسر المبطلون وصدق الله العظيم إذ يقول: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون، ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون).  وفي المقابل فاز " مرسي " ولكن أمام فوزه ما أمامه! " مرسي " سيخوض مواجهة حقيقية وحربا يومية وتفاصيلية مع فلول النظام الساقط الذين يتغلغلون في كل مفاصل الدولة ؛ في الوزارات والمحافظات والوظائف العامة والقضاء والمحليات والسياحة والاقتصاد والفكر.. تؤازرهم أجهزة الأمن والإعلام والعسكر والجهال والمنتفعون وأعداء مصر داخلا وخارجا.. فاز " مرسي " ليكنس مخلفات عقود وقرون كثيرة من الفساد والظلم والاستبداد والشر والنهب والسلب تجعل المهمة صعبة والتحديات كثيرة والمعيقات مريرة، وتجعل الناس مستعجلين أن يروا بصيص الأمل صار شمسا ساطعة ويروا نبتة الخير صارت شجرة باسقة وارفة.. كل هذه تحديات تطيش منها العقول وترتجف من هولها القلوب.. وهو رجل حقيقي يصيب ويخطئ ويتذكر وينسى ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. ليس معه - ولا يقبل أن تكون معه – آلة الكذب والترويج التي تصنع من الفاسد إلها يعبد وربا يمجد تغطي نقائصه وترهّب معارضيه وتجعل مناماته فتوحات وأهواءه وانحرافاته كرامات وخواطره وخلجات قلبه إلهامات، وتصير الفاشل فذا ماجدا والبليد المحتار عالما نحريرا لا يشق له غبار..  فاز " مرسي " وعليه في مواجهة ذلك أن يبدأ بتحصين نفسه وتوثيق تحالفاته مع أكبر مساحة من المؤيدين والأنصار على رأسهم الثوار وميدان التحرير والجمهرة الأصدق والأكبر من رجال الإعلام، فاز وعليه أن يكسب الأزهر الشريف وكل التيارات والاتجاهات والطوائف.. وعليه أن يتنبه إلى أن المرحلة في حقيقتها مرحلتان ؛ مرحلة التحول للثورة وتغيير القناعات والمواقف لصالحها ثم مرحلة التمكين لها وإبراز دور " الإخوان المسلمين " في خدمتها ومحالفتها وحمايتها..  آخر القول: فاز " مرسي " وإن لم يعلن ذلك ودخل الرجل والإخوان عهدا من البروز والحصاد يفرح به المؤمنون.. فاز " مرسي " وليس أمامه إلا أن ينجح فيما هو بصدده.. وأول ذلك هو الثبات على ما بدأ به مشواره وخياره من صفاء العقيدة وطهر السريرة.. أن تلتف معه وله جماهير الثورة الذين أناخوا جمل الباطل وكسروا عنق الشيطان.. صحيح أن المرتقى صعب وصحيح أن الإخوان والإسلاميين والثوار والشعب المصري يودون غير ذات الشوكة تكون لهم.. ولعل الله تعالى يريد شيئا آخر وهو القائل: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، والقائل (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين)، والقائل: (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا).