19 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة فكرية في مؤتمر مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان بسراييفو

20 يونيو 2012

في خطوة قائمة على المبادرة العلمية لمركز الدوحة الدولي لحوار الأديان خارج الوطن، وفي جزء من جزيئات رسالتها التوعوية للإنسانية جمعاء نظم المركز بالتعاون مع جامعة سراييفو مؤتمراً دولياً حول "دور التعليم في تعزيز السلم العالمي والتسامح في جنوب شرق أوروبا" في العاصمة البوسنية بـ"سراييفو"، وشارك في المؤتمر قرابة ثلاثين باحثاً من (16) دولة متمثلة في وفد قطري من مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان برئاسة الدكتور إبراهيم النعيمي رئيس مجلس إدارة المركز، والدكتورة عائشة يوسف المناعي عضو المجلس الاستشاري للمركز وعميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وكاتب هذه السطور الدكتور يوسف محمود الصديقي. وبقية المشاركين من جمهوريات يوغسلافيا سابقاً، والتي هي الآن على النحو الآتي: — جمهورية البوسنة والهرسك؛ وعاصمتها سراييفو ونسبة المسلمين فيها 60 % ، ويتكون سكانها من أرثوذكس وكاثوليك. — سلوفينيا؛ الأغلبية العظمى من سكانها كاثوليك. — كرواتيا؛ الأغلبية من سكانها كاثوليك. — صربيا؛ الأغلبية من الأرثوذكس. — ومن ثم انفصلت كوسوفو عن صربيا، وأغلبيتهم أرثوذكس. — الجبل الأسود؛ الأغلبية أرثوذكس. — مقدونيا؛ أرثوذكس ومسلمون. وقد شارك في المؤتمر أكاديميون وعلماء من فلسطين، والأردن، ولبنان، والبلقان، وايطاليا. وكل هؤلاء يمثلون أديانهم واتجاهاتهم الفكرية والأيديولوجية المختلفة. وتناولت جلسات المؤتمر قضية التعليم، وخاصة في ما يتعلق بدور التعليم في تعزيز قيم التعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد، الذي يتكون من مكونات عدة ومختلفة في قومياتها وهوياتها، وحضارتها وركائزها ومنطلقاتها العقدية الدينية؛ وكيف لمجتمع بهذه التركيبة المعقدة والمتنوعة أن يعيش في سلم اجتماعي، الكل يحترم الكل، هذه هي المهمة الأولى التي اناطت بها الأوراق البحثية وهذه التركيبة الاجتماعية والقومية المتنوعة والمختلفة هي بحاجة ماسة إلى تعليم، أو نهج تعليمي قائم على الاحترام المتبادل والتعايش والتفاهم والسلم بين هذه القوميات والديانات والتنوع الاجتماعي، وإلى الموضوعية العلمية والأمانة الأخلاقية التي تحتم على واضعي المناهج التعليمية أن يراعوا الدقة والأمانة عند التحدث عن الأديان وأهل الأديان، وأن نستسقى دراسة الأديان من منابعها الأصلية؛ وهي في حالة صفائها ونقائها، والبعد عن الآراء المتعددة عن المسألة الواحدة، والقضايا والمسائل الخلافية، وخاصة في ما يتعلق بالأديان على الأقل في الوضع الحالي إلى أن تستقر الأمور وتهدأ النفوس، وبعد ذلك للنواحي الأكاديمية أن تتطرق إلى هذه المسائل والقضايا التي فيها وجهات نظر واختلاف؛ وهذا في واقع الأمر يسمى بـ "فقه الواقع" الذي يلزمنا أن نفهم الواقع الذي نعيشه، ومن ثم نتحرك في ثناياه. ولنا أن نبين الواقع " البوسني" الذي يتطلب منا نحن المتخصصين في المناهج الأكاديمية وفي وضعها أن نفهمه قبل أن نتحدث عنه، أو أن نضع له مناهجه التعليمية أو الفكرية الخاصة به. وعليه نقول: — إن من تتبع الحرب على البوسنة 1992 — 1995م لاحظ بشكل لافت للنظر أن الحرب ما طالت البشر الأبرياء فقط في ما عرف بالتطهير الاثني، وإنما طالت أيضاً مراكز الذاكرة الجماعية الجامعة للحس الجمعي في ما عرف بالتطهير الثقافي الذي شمل تدمير مراكز الوثائق والمخطوطات والمكتبات والمساجد، والجسور التاريخية ذات العبق التاريخي الإسلامي القديم، كل ذلك بهدف مسح الذاكرة الجماعية القائمة، ومن ثم يقوم المنتصر بكتابة التاريخ كما يريده، وهذا للأسف الشديد ما يحدث في الحالة العراقية التي تقوم بمسح الذاكرة الثقافية والتاريخية والعقدية لأهل السنة في العراق، حيث أخذ الوضع السياسي العراقي ينهج عين النهج الذي اتبع في البوسنة، حيث تم تحويل عدد من المساجد السنية إلى حسينيات شيعية، وعدد من الكليات والجامعات السنية التي كانت قائمة على نهج السنة تم تحويلها إلى جامعات وكليات شيعية، والاستلاء على اوقاف أهل السنة وتحويلها إلى أوقاف شيعية وغير ذلك من الأمور الإدارية التي اتخذت ضد أهل السنة؛ وفي هذه الحالة يعتبر أهل السنة أن بقاءهم على قيد الحياة في مواجهة الوضع الشيعي المقيت — على شكله الحالي — هو نوع من الانتصار، ولكنه في حكم الواقع هو انكسار وانحصار للذات، وانهزام لأهل السنة كجماعة ودولة أو قل كدول إسلامية، والتي ينبغي عليها أن تكون موحدة وقوية، ولها دور فعال على الساحة الإسلامية والفكرية. وكذلك على المجامع والاتحادات الإسلامية التي ما أكثرها، والتي لا تقدم ولا تؤخر، وأن بعض هذه الاتحادات الإسلامية تخرج علينا بفتاوى وأحكام ووجهات نظر في مجملها لصالح الحكومات السياسية الممنهجة للطائفية الضيقة والمقيتة. هنا نتساءل ونقول: هل أصحاب هذه الفتاوى والأحكام التي تصدر لصالح الحكومات الطائفية الضيقة هم في غفلة عن أمرهم، ولا يدركون أن أهل السنة في العراق مستهدفون هم وتاريخهم وذاكرتهم الثقافية ومنطلقهم العقدي هو الآخر مستهدف؟ هذا عينه ما وقع في البوسنة والهرسك، غير أن عدداً كبيراً من العلماء والأكاديميين البوسنيين قد تصدوا لمهمة التدمير والقضاء على ذاكرتهم الثقافية؛ والتي تسمى في عالم الاصطلاحات والمفاهيم بالتطهير الثقافي، ومن هؤلاء العلماء المؤرخ الشهير العلامة " مصطفى إمامونيش" وبجواره الأكاديميون خلال الحرب التي وقعت عليهم، والحصار الخانق 1992 — 1995م وقد أصدروا مجموعة من المؤلفات التي تثبت وتؤكد على تاريخهم الثقافي والإسلامي. وذكروا في مؤلفاتهم تلك أن للدين دوره في تمايز البوسنة فيما بين الجارين القطبين المجاورين: صربيا وكرواتيا. وفي ذلك الوقت اعتبرت البوسنة مركزاً للزندقة والهرطقة، ذلك أنهم كما يعتقدون أن أهل السنة قد خرجوا عن الدين الصحيح، الذي هو الدين المسيحي الكاثوليكي والأرثوذكسي، وذلك لأن في البوسنة كنيسة مخالفة للأرثوذكس والكاثوليك، وهي الكنيسة البوسنية أو اليوغوييلية، واستمر هذا الوضع حتى عهد الفتح العثماني للبوسنة، والذي بقى في عهده على مسافة واحدة للكنائس المسيحية، حيث ابقى للكنيسة البوسنية على مالها من مبادئ وعقائد وقيم مسيحية، وفي تمايز سكانها عما في الكنيسة الصربية الأرثوذكسية والكنيسة الكرواتية الكاثوليكية، وهذه العدالة الإسلامية في منهجيتها الخاصة بالتعامل مع الأديان وأصحابها، مكنت البوسنيين من القدرة على أن يحافظوا على وحدة أراضيهم واسمها وسياستها المميزة، وعلى الرغم من الأنظمة السياسية المختلفة التي مرت عليها خلال (1500) سنة خلال الحكم العثماني 1463 — 1878م، والحكم النمساوي المجري واليوغسلافي. على كل فهذه صورة بسيطة ومختصرة عن الوضع السياسي والاجتماعي والتعددي والتاريخي للبوسنة والهرسك. كلمة شاملة: كم هي البوسنة بحاجة إلى مؤتمرات وندوات مشابهة لمؤتمرنا هذا الذي حمل عنوان "دور التعليم في تعزيز السلم العالمي" وتبادل الآراء والمقترحات ووجهات النظر حول المناهج الدراسية، والخطوات العملية لبسط ثقافة التعايش بين أبناء الوطن الواحد، وعلى قاعدة الاحترام والتبادل الثقافي والتعايش السلمي.