13 سبتمبر 2025
تسجيللقد كَرم الله الإنسان حين خَلقه على مُجملِ كائناتِه، وكرمنّا بإتباع هديِّ نبيه الّذي لم يُرسل إلّا رحمةً للعالمين، والسنة النبوية الشريفة بعد القرآن الكريم هي مصدرُنا في التعامل فيما بيننا كبشر، فالإسلام دين لم يُسن ليكونَ في دورِ العبادة فحسب بل هوَ دين يظهر على الإنسان في مَسلكِه ومأكله ومشربه وتعامله، ولذا كان فضل حُسن الخلق عظيما عند ربِّ العالمين، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» حديثٌ صحيح وقال: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار». صحيح أبي داود، وحُسن الخُلق هوَ تعامل مع كل كائنٍ على وجه الأرض واليوم نرى أن الإنسان نسي أن الكرامة الّتي منّ بها الله على خلقه هي للخلقِ جميعهم فمن تكون لتنتزع من الإنسان كرامتِه الّتي أعطاها الله له؟. ولذا أقول ان الخدم والعُمال بمختلفِ مُسمياتِهم الوظيفية هم أيضاً خلقَ الله المُكرم، ابتلاهم الله ليكونوا بحاجةِ الناس لسوء أحوالهم، ولأننا في مُجتمعٍ فتحت فيه النوافذ على مصراعيها عن طريق وسائل التواصل فنادراً ما نجد باباً مُغلقاً يواري الناس فيه حياتهم الخاصة، شُرعت أبواب لنكتشف تفاصيل معاملةِ الإنسان للإنسان، ونواجه بين الحين والآخر سطوة البشر على البشر واستعلاء بعضهم على بعض، أنا هنا أصور الحياة من منظور النساء اللواتي أُجبرن على حزمِ امتعتهن البسيطة جداً لينتقلن للعيش في وسطٍ آخر لا يعرفن لهُ لغةً وثقافة، ليجدن أنفسهن في حُجرةٍ بائسة دونَ أمٍ ولا أب وغالباً دون أطفالهن، ليعشن طيلة اليوم بين كرٍّ وفرٍّ وكرّ لإشباع صغير، وترتيب سفرة الكبير، وتنظيف الأركان وترتيب المكان، ولا بأس فهذا ما نصَّ عليه العقد وَلكن ما يفوتهن ويفوتنا أن العقد لم يَنُص يوماً على (إهانة الكرامة) ولا العبودية ولا تحمُلِّ جفوة خُلقِ البعض، ولا التقييد ولا سلبِ الحُرية. ونجهل أن نبينا قد وجهنا من أكثر من 1400 سنة لكيفية التعامل مع الخدم فقد قال: «أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» «ابن ماجه». و قال: «إخوانكم خَوَلُكم (خدمكم) جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم» البخاري. وفي كراهية الكِبَر وذمّه دلنا عن طريق يبرأ فيه المرء من التكبر حيث قال «ما استكبر من أكل معه خادمه» حديثٌ حسن. وعن ثابت عن أنس قال: «خدمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين بالمدينة وأنا غلام، ليس كل أمري كما يشتهى صاحبي أن أكون عليه، ما قال لي فيها أف قط، وما قال لي لم فعلتَ هذا، أو ألَّا فعلت هذا» حديثٌ صحيح. إن ما تعيشُه الخادمة في بعض البيوت ينكأ له القلب، من إهانةٍ من صغيرٍ تعلم الإهانة من كِباره، أو عمل مستمرٍ طوال اليوم أو منعٍ من الهاتفِ الجوال بلا وجهِ حق أو حتى تأجيل الراتب إلى أجلٍ غير مُسمى وهذا فيهِ تجاوز على قانون العمل المنصوص عليه من وزارة العدل المادة رقم (8) ومعصية لحديث النبي الذي ذكرته آنفاً، ومن جانبٍ آخر أتساءل هنا كم من أسرة تمنح العامل لديها أو الخادمة إجازةً أسبوعية هي من حقه بموجب المادة (13) إجازة لا تقل عن 24 ساعة متتالية، وهل يعرف العامل والعاملة حقوقهم الّتي نصَّ عليها قانون العمل في دولتنا العادلة؟ وكيف للعاملة المطالبة بحق لا تعرف به؟، ومن جانب آخر نرى أن النفس البشرية جُبلت على ردِ الفعلِ بمثلِه، فالخير يَجَلُب الخير والشر مَدعاة الشر، فسوء المعاملة لن يجلُب احتراماً أبداً بل يُنبت الضغينة وإن خُبئت خلف قناع الخوف فلن تَجد من عاملِك اخلاصاً إن أهنتَ كرامته، أو منعت عنه حقه، أو قسوت عليه أو ظلمته، فمن لن يخاف من جزاء يوم القيامة فليخف من ردود دُنياه، فمن تأمنه على أمور دُنياك وسيارتِك وبيتك ولا يأمن نفسه وكرامته منك، لن يكونَ ملاكاً أبيض لا ضغينة لديه ولا حقد ولكن وسائله لردِ الاعتبار ستكون خفيّة عنك لقليل من الوقت أقساها دعوة مظلومٍ عليك، فلا تنس أن الشر مدعاة للشر. وإني انصَح أن يُعامل المرء من هم تحت يده بالرحمة وبدستورِ دينه الكريم وهدَيِّ نبيه، وأن يتبع قوانين البلد الّتي لم تتجاهل حقوق العُمال، وأن تكون القوانين أكثر انتشاراً مما هي عليه في كُلِ وسائل التواصل الاجتماعي وأن يتم التذكير بها في كل موطنٍ لتصل لكل بيت، وأن تتم مُتابعة حُقوق العمالة كل ثلاثة أشهرٍ مثلاً من خلالِ الجهة الّتي تم استقدامِ العاملِ من خلالها بالتواصل مع العاملِ والكفيل.