16 سبتمبر 2025
تسجيلسؤال قد يتبادر لمن يقرأ آيات الصيام فيقف عند لفظ (كتب) ويقول لماذا لم يقل فرض؟ وقد أجاب أهل العلم عن ذلك بأن إلزام الفريضة أقل من كلمة (كتب)، وهذا من باب الاستئناس والحِكم، لأن كلمة (كتب) تحمل معنى فرض وزيادة، وهذه الزيادة هي: أن هذا الأمر قد فرضه الله عليك وسجّله عنده. مثل من اقترض وسجل القرض ووقع عليه بخلاف من اقترض ولم يوثق القرض. لذلك كلمة (كتب) تحمل معنى فُرض وزيادة، والزيادة هي التوثيق. وقوله تعالى (كُتب عليكم الصيام) بالبناء للمجهول، وهذا فيه منتهى التلطف، فالإله العظيم سبحانه إذا كلف بما فيه مشقة بنى الفعل للمجهول؛ حتى لا يقترن اسمه الجليل الحبيب (الله) بالمشقة والثقل والتكليف. وتأمل في الآيات (كُتب عليكم القصاص)، (كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت)، (كُتب عليكم الصيام)، (كُتب عليكم القتال)..الخ. ثم تأمل في آيات أخرى (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)، (كتب ربكم على نفسه الرحمة) (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان)..الخ. فتجد حيث التجليات والنفحات والرحمات بنى الفعل للمعلوم وذكر اسمه: الله أو الرب أو ضميره سبحانه. وقد وقف العلماء مع قوله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، بعد (أَنْعَمْتَ)، ولم يقل غير الذين غضبت عليهم. فالأول (أَنْعَمْتَ) موضع للتقرب من الله بذكر نعمه، فلما صار إلى ذكر الغضب جاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب، فأسند النعمة إليه لفظا، وزَوَي عنه لفظ الغضب تحننا ولطفا. ومن هنا يُعلم كمال أدب الأنبياء والمرسلين والصالحين، فإن الخضر عليه السلام عندما خرق السفينة وفعل فيها ما ظاهره فعل سوء، قال مخبراً (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها)، ولم يقل: "فأراد ربك أن أعيبها"، بينما قال في الغلامين (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما)، ونجد إبراهيم عليه السلام يستدلّ على ربوبيّة الخالق سبحانه بأفعاله فيقول (الذي خلقني فهو يهدين* والذي هو يطعمني ويسقين* وإذا مرضتُ فهو يشفين)، فعندما جاء إلى مسألة المرض نسب المرض إلى نفسه، ولم يقل: "وإذا أمرضني" حفظاً للأدب مع الله تعالى.