14 سبتمبر 2025

تسجيل

سنوات الاكتئاب والفريق الذي نحن بحاجته

20 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); بعد سنوات، أعتقد أن المؤرخين سيطلقون على المرحلة التي نشهدها اليوم اسم "سنوات الاكتئاب"، ولا أعتقد أن أحدًا يمتلك معلومات دقيقة حيال المدى الذي من الممكن أن يمتد إليه جنون هذه المرحلة، أو موعد انتهائه. لكننا جميعًا نعلم أن المسلمين هم من يعانون من هذا الجنون وتبعاته. إن العالم الإسلامي يعاني من حالة اكتئاب عارمة بفعل الأزمة الكبيرة التي يشهدها، والتي ألقت بظلالها القاتمة حتى على تركيا التي تعتبر من أكثر الدول الإسلامية استقرارًا في المنطقة، ما يعكس في الحقيقة حجم الأزمة وأبعادها. في الواقع، إن العالم الإسلامي يعيش في هذه المرحلة حروبًا طائفية كتلك التي جرت في أوروبا خلال العصور الوسطى، وأزماتٍ اقتصادية وانهيار اجتماعيّ كالذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية عام 1930، وحروبا داخلية وحالة فوضى عارمة مماثلة لما شهده المعسكر الشرقي بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي نهاية عام 1991.تعيش جميع دول العالم الإسلامي باستثناء ماليزيا وإندونيسيا أزمات ومشاكل وحالات عدم استقرار، ولا نمتلك حتى الآن على الأقل إحصائيات دقيقة توضح لنا حجم التكلفة الاقتصادية التي تسببت بها تلك الأزمات متعددة الأبعاد، لكن مما لا شك فيه أن تلك الأزمات تركت تأثيرات عميقة على مختلف مجالات الحياة، حيث أن تلك التأثيرات شملت الاقتصاد والتركيبة السكانية للمنطقة والبنى التحتية والحضرية والحالة النفسية للسكان ومعتقداتهم وغيرها من الجوانب الحيوية. لقد شهدت هذه السنوات تغيراتٍ مهمة جدًا أثرت علينا جميعًا، لكننا لا نستطيع في هذه الآونة إدراكها بكل أبعادها. انعكاس الجنون، مشاكل حادةعندما يتعرض جسدنا لخدش أو نزيف أو كسر يسارع الجسم كله لإيجاد الحلول وإزالة المشكلة، وفي حالة وجود أزمة حادّة تهدد بقاء الجسد، نجد أن الدماغ لا يكترث بحل مشاكل فرعية كآلام الظهر أو الرأس وغيرها، بل يكثف جهوده وقدراته على معالجة المشاكل الحيوية. إن العالم الإسلامي يعاني في الوقت الراهن من مشاكل حادة مثل الاقتتال والصراعات والنفي والتعذيب الجماعي والإرهاب والهجرة والانهيار الاقتصادي ... لذا فإننا لا نجد متسعًا من الوقت في ظل هذه الظروف للتحدث عن انعكاسات تلك الأحداث على عقيدتنا وحياتنا الفكرية والنفسية والاجتماعية، وإذا لم نمعن النظر في تبعات تلك الأحداث ولم نتحدث عن انعكاساتها فإن تجربتنا المريرة معها ستستمر لفترة أطول. في الواقع، إن العالم الإسلامي شهد مرات عديدة عبر التاريخ حروبًا أهلية، لكني لا أعرف إن كان قد شهد حروبًا وحالة من الجنون كتلك التي نشهدها الآن، اليوم هنالك 7 دول تعاني من حرب فعلية، وأكثر من 10 دول تعاني من مشاكل الإرهاب والفوضى، فيما تهيمن حالة عدم الاستقرار والاضطراب على بقية الدول. لذا فإن حالة خيبة الأمل والحالة النفسية السيئة التي تهيمن على الشعوب المسلمة بسبب حالة الاقتتال وإفرازاته، هي التي ستدفع المؤرخين لاحقًا لتسمية هذا المرحلة بـ "سنوات الكتئاب". خاصة وأن المسلمين باتوا يقتلون بعضهم بعضًا بشكل وحشي بل وبمتعة وبتفاخر في ظل حرب عبثيّة لن تبقِي ولن تذر. أكبر الأضرار التي تم توجيهها للإسلامانظروا إلى عشرات الآلاف من المسلمين الذين قضوا تحت سياط التعذيب والجوع في السجون السورية، إن الوحشية التي قتل بها أولئك البشر تظهر حالة الجنون التي تعيشها منطقتنا. إضافة إلى ذلك، ألا تعتقدون أن قيامنا بتسجيل أسماء أولئك الضحايا وتناولهم من قبلنا على أنهم زمرة من المعطيات الإحصائية ثم أرشفة صورهم وأشرطة الفيديو المتعلقة بهم يعبر عن مضمونٍ ووضعٍ غير طبيعي؟ إني أجزم بالقول إن الشخص الذي عدّ ضحايا التعذيب وكتب على أجسادها الأرقام لا يمتلك شخصية سليمة من الناحية النفسية والعقلية. كما أعتقد أن ما يفعله تنظيم داعش، يعتبر مثالاً لسنوات الجنون التي نشهدها، إن الفظائع التي ارتكبت على يد تنظيم داعش سببت أضرارًا للمسلمين لم يستطع أعداؤهم أن يتسببوا بها حتى في أعتى المعارك، إن هذه العقلية التي تقطع الرؤوس أمام عدسات آلات التصوير، وتتعمد إحراق الناس وتصويرهم وهم يحترقون، سببت دمارًا لصورة الإسلام السمحة التي تحض على التسامح والسلام. حالة الجنون تضرب الجماعات في تركياأعتقد أننا نشهد في تركيا أحداثًا لم يسبق لنا أن شهدناها في هذا البلد. حيث أن الأفعال التي تقوم بها جماعة فتح الله غولن، جعلت الكثيرين يشعرون بالصدمة والحزن، وبالرغم من أن تلك الأحداث لم تفرز تأثيرات حادّة ضمن المجتمع، إلا أنها اعتبرت سابقة تتسم بالغرابة، سيما بعد أن رأينا وشهدنا قيام أفراد هذه الجماعة التي تأسست على يد أشخاصٍ متدينين، بالتنصت سرًا علينا، وانتهاك حرمة حياتنا الخاصة وتسجيلها، فضلًا عن عمليات التجسس والسرقة والتهديد والابتزاز، مما لا شك فيه أن ما يجري لا يمكن تصنيفه على أنه أحداث طبيعية. بالإضافة إلى ذلك، فإني لا أعتقد أن الأشخاص الذين استخدموا العنف والإرهاب في أحداث "غزي بارك" و"كوباني" في تركيا، يمتلكون شخصيات مستقرة على الصعيد النفسي. ولا أستطيع القول إن مناصري منظمة "بي كا كا" الإرهابية الذين قتلوا المواطن التركي "ياسين بورو" (17 عامًا)، بوحشيّة لم يستطع حتى تنظيم داعش الوصول إليها، وإن الأشخاص الذين أحرقوا سيارات التبرع بالدم وسيارات الإسعاف والمستشفيات وسط العاصمة التركية أنقرة، يمتلكون بنية سيكولوجية سليمة ومتّزنة. نحن بحاجة لفريق ولفعل شيء ما إن ما نشهده في الوقت الراهن ليس أحداثًا طبيعية. لقد قمنا بفترات مختلفة بذمّ وإقصاء بعضنا بعضًا، وتراشقنا اتهامات الخيانة، وحولنا بعض الأصدقاء لأعداء حقيقيين. ليس طبيعيًا أبدًا ما اقترفناه من أفعال جعلتنا أقطابًا ومعسكرات متباعدة إلى أقصى حد، نستقوي من خلالها على بعضنا بعضًا، وليس طبيعيًا أبدًا أن نقوم بتدمير مبادئنا وقيمنا التي كرّسنا حياتنا من أجل إحيائها وديمومة بقائها. أعتقد أننا عندما ننظر إلى السنوات الراهنة برزانة ورباطة جأشٍ في المستقبل، سنرى بشكل أفضل وسنفهم الأسباب التي جعلتنا على هذا النحو. لكن، على أحد ما في هذه المرحلة الخطيرة، أن يدعو إلى التفكير بحسّ سليم وإلى التروي والهدوء والسكينة والصبر وتمالك النفس عند الغضب. نحن في العالم الإسلامي بحاجة لفكرة ولحركة تطوعيّة تتسم بالحكمة، تدفع عنّا الجنون الذي يخيم على منطقتنا، وتحتضننا جميعًا وتهدئ من روعنا وتعيد تأهيلنا، لكي نتمكن من العودة إلى ركب الحضارة الذي فاتنا وابتعد كثيرًا عنّا.