11 سبتمبر 2025
تسجيللا أريد الحديث عن الديمقراطية بوصفها نمطا من أنماط الحكم السائد في العالم حاليا، فقد تحدثت عنها في كتاب مطبوع، ولكن مقالي سيتناول الحديث عن ديمقراطية العرب وكذلك ديمقراطية بعض حكامهم، ولعل الانتخابات (الديمقراطية!!) التي تجري حاليا في مصر وسوريا والعراق تلقي ضوءا كبيرا على طبيعة تلك الديمقراطية التي سأخصص لها مقالي هذا.في مصر جرت انتخابات شهد لها القوم (داخليا وخارجيا) بالنزاهة، وفاز فيها الدكتور (مرسي)، ولأن قوى داخلية وخارجية لم تكن راضية عن منهجه، فقد تحالفت على إسقاطه - شخصيا لم أكن راضيا عن أدائه وقد كتبت ذلك وهو على سدة الحكم - وقد استطاعت تلك القوى تحقيق غايتها، وادعت أن حكومة مرسي لم تكن ديمقراطية، لأنها تناست فئة من الشعب، وضربوا عرضا بكل القواعد الديمقراطية التي تعارف عليها الديمقراطيون كافة، والمؤكد أنهم إنما قالوا ذلك لأن الديمقراطية لم تأت بهم أو بمن يريدون. دعاة الثورة في مصر لم يكونوا أفضل حالا ممن ثاروا عليه؛ انتشر القتل والسجن، كما تم تقييد الحريات بشكل كبير، كما أن الوضع الاقتصادي ازداد سوءا، وبدأت مصر تعاني من بعض الأعمال الإرهابية، وفي ظل هذه الأوضاع المتردية جاءت الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبدعوى أن الديمقراطية تتطلب هذه الانتخابات - ولست أدري عن أي نوع من الديمقراطية يتحدثون؟!! - كما لست أدري كيف ستتم هذه الانتخابات ومن سيثق بنتائجها في ظل الأوضاع الداخلية المتردية؟! المهم أن هذه الانتخابات ستتم، والمهم - أيضا - عند الفائز أن يصمت الشعب تماما عما سيفعل حتى وإن كانت ديمقراطيته الموعودة ستأتي بعد ربع قرن!! خاصة أن الدولة تتعرض لحرب إرهابية وهذا يتطلب من الشعب الصبر والتضحية مهما حدث لهم!!والسؤال: من المستفيد من هذا النوع من الديمقراطية.. الشعب أم الحاكم؟!وفي العراق انتخابات، وفيها ديمقراطية - كما يقول المالكي، والمالكي، كما هو معروف، حكم فترتين متتاليتين، وكانت من أسوأ الفترات في تاريخ العراق الحديث، ورغم أن المالكي كان هو الحاكم الأوحد، لأن كل السلطات كانت بيده إلا أنه كان فاشلا وعنصريا بامتياز، كما كان تابعا للخارج بامتياز!! هذا الرجل يريد أن يحكم العراق لفترة ثالثة، ولأنه يدرك حجم الجرائم التي ارتكبها، ولأنه يخشى من العقاب، فقد بذل - وما زال يبذل - كل شيء، حتى العمالة المفضوحة للخارج، كي يفوز في الانتخابات التي يدعي أنها ستكون ديمقراطية بامتياز!!فزاعة محاربة الإرهاب كانت من ضمن برنامج المالكي، وهذه الفزاعة استخدمها كلّ مدعي الديمقراطية، ومع أن معظم العراقيين وغيرهم يعرفون أن المالكي لا يحارب الإرهاب، بل يحميه أحيانا، ويعرفون أيضا أنه يحارب أتباع المذهب السني ويقتل أتباعه، إلا أنه ولكي يحمي نفسه ويحقق مصالحه الشخصية، لجأ إلى الانتخابات بالرغم مما يجري من أحداث دامية تصبح معها الانتخابات شبه مستحيلة، إلا أنه أصر عليها حماية لنفسه وتحقيقا لمصالح من يحميه وكذلك المستفيدين من وجوده!!والسؤال مرة ثانية: من المستفيد من هذه الانتخابات، الشعب العراقي أم الحاكم فقط؟!!وثالث هذه المهازل الانتخابية مهزلة الانتخابات في سوريا، فبشار الأسد الذي حكم والده عشرات السنين، وقتل من السوريين عشرات الآلاف، ثم جاء حاكما بعيدا عن الديمقراطية، جاء هذه الأيام ليتحدث عن الديمقراطية وعن الانتخابات، لأنه يعرف أنه سيفوز في مهزلة الانتخابات، ويتوقع أن فوزه سيبعد حبل المشنقة عن رقبته، وقد يبعد عنه شبح الإحالة إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة قتل عشرات الآلاف من السوريين!!بشار الأسد - الباحث عن الديمقراطية - هدم مدنا على رؤوس ساكنيها، وقتل الآلاف بالأسلحة الكيماوية، وشرد الملايين من السوريين، ومع هذا فهو يتحدث عن انتخابات ديمقراطية نزيهة يصل فيها إلى الحكم ليدعي أن الشعب لا يزال متعلقا به وأن كل دعاوى الثوار كاذبة!! ولست أدري هل بلغ به الغباء إلى درجة أن يعتقد أن أحدا سيصدقه؟!الأسد لا يبحث عن الديمقراطية ولا يهمه الشعب السوري كله، وإنما كل ما يريد أن يبقى حاكما مهما كان الثمن!! أصبح تابعا ذليلا للخارج، وقدم لإسرائيل وأمريكا كل ما تريدان كي تصمتا على جرائمه، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير!! ومع أن بشار الأسد تبنى (داعش) إلا أنه يدعي محاربتها ومحاربة الإرهاب!! إنه مثل سابقيه يمتطي فزاعة محاربة الإرهاب كي يحظى بعطف الغرب والأمريكان والإسرائيليين، وقد تحقق له شيء من ذلك كما قلت. أعتقد أن المرشحين الثلاثة سيفوزون في الانتخابات الديمقراطية!! فالتنازلات التي قدموها، سواء لإسرائيل أو الأمريكان أو غيرهم تؤهلهم لذلك، ولكنهم سينجحون بطرق ديمقراطية وسيقمعون شعوبهم أو يقتلونهم، وبطرق ديمقراطية أيضا.يقال: إن الإعلان عن الذمة المالية للحاكم من أولويات الديمقراطيات الحديثة، فهل سيعلن هؤلاء عن ذممهم المالية أم أنهم فوق الشبهات، وأن الشعوب تثق بهم ولا تريد أن تحرجهم؟!! ولكن: هل سيجرؤ أحد من أبناء الشعوب الديمقراطية أن يطلب منهم ذلك؟!!مجموعة من الحكام الذين يتحدثون عن الديمقراطية أحيانا يقولون إن شعوبهم ليست مؤهلة للديمقراطية ولهذا يجب أن تُحكم بالدكتاتورية!! والغالبية العظمى من الليبراليين العرب الذين صدّعوا رؤوسنا بالمطالبة بالديمقراطية هم أول من يرفضها ويحاربها إذا لم تأت بهم حكاما!! هم يريدون ديمقراطية تأتي على مقاساتهم وإلا فلا!! والضحية هي الشعوب التي تصدق هؤلاء أو تصدق أكاذيبهم.الديمقراطية العربية مجهزة على مقاسات الحكام؛ يستخدمونها متى شاءوا وينبذونها متى شاءوا أيضا، أما الشعوب فعليها أن تستمتع بالحديث عنها، وستبقى كذلك حتى تتضح لها تلك اللعبة وتتخذ مواقف تصب في صالحها.