16 سبتمبر 2025
تسجيلقال ابن خلدون في مقدمته: "إن الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة، والقيام لله بطاعته، والتصرف تحت أمره ونهيه، ولا قوام للشريعة إلا بالملك، ولا عز للملك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل.. والعدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم.. وهذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم..". فالظلم يسرع بزوال الأمم الظالمة لأنها تعمل على عكس سنن الله في البقاء والتمكين، ولذلك أعلن الله في كتابه العزيز في أكثر من موضع أنه لا يحب الظالمين فقال تعالى: (إنه لا يحب الظالمين)، "الشورى: 40"، وقوله تعالى: (إنه لا يفلح الظالمون)، "الأنعام: 21". وقال ابن الجوزي: "الظلم يشتمل على معصيتين، أخذ مال الغير، ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع فيه، غالبا إلا الضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لاعتبر "كشف المشكل 2/559". قلت لصاحبي: ما هي بواعث الظلم؟ وما أنواعه؟ قال صاحبي: أما بواعث الظلم فمن مصادر شتى، فإن كان الباحث العداوة والحسد فيكون الظلم من رذائل قوة الغضب وإن كان باعثه الحرص والطمع في المال فيكون من رذائل قوة الشهوة. أما أنواع الظلم فهي ثلاثة: الأول: أن يظلم الناس فيما بينهم وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق ولذلك قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، "لقمان: 13". الثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين)، "الشورى: 40". الثالث: ظلم بين العبد وبين نفسه وذلك بأن يوردها المهالك، وإياه قصد بقوله: "فمنهم ظالم لنفسه". "فاطر: 32"، وقوله على لسان نبيه موسى: (قال رب إني ظلمت نفسي) "القصص: 16". قلت لصاحبي: كيف نعالج الظلم؟ قال صاحبي: من العسير علاجه واجتثاث جذوره بيد أنه من الممكن تخفيف حدته، وذلك بالتوجيهات الآتية: * تذكر تنزهه عز وجل عن الظلم، قال تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد)، "فصلت: 46". * تذكر ما جاء في مزايا العدل وجميل آثاره في حياة الأمم والأفراد، من إشاعة السلام ونشر الوئام والرخاء. * تقوية الوازع الديني وذلك بتربية الضمير والوجدان والتحلي بقيم الإيمان ومفاهيمه الهادفة الموجهة. * عدم اليأس من رحمة الله قال تعالى: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) "يوسف: 87". * استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة، قال تعالى: (واشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو اعلم بما يفعلون) "الزمر: 69-70". * الذكر والاستغفار قال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) "آل عمران: 135". * كف النفس عن الظلم ورد الحقوق إلى أصحابها. وختاما فالظلم لا يدوم ولا يطول، قال تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) "إبراهيم: 42".