24 سبتمبر 2025

تسجيل

"الاتحاد الخليجي" والاعتراض الإيراني

20 مايو 2012

الانتقال من صيغة "التعاون" إلى صيغة "الاتحاد" تطور منطقي متوقع للعلاقات بين دول الخليج الست. ومن يسأل: لماذا الآن؟ يأتيه الجواب بسؤال آخر: لماذا تأخر؟ فمسـألة الاتحاد شغلت الأذهان منذ ولادة مجلس التعاون قبل اثنين وثلاثين عاماً، إذ نظرت إليه الشعوب والمجتمعات باعتباره نموذجاً مشابهاً للاتحاد الأوروبي وظيفة وأهدافاً، ولعله كذلك فعلاً، إلا أن وسائل عمله ووتائره ونتائجه لم تكن مماثلة.. وظلت الفكرة ماثلة سواء في مراحل الاستقرار عندما تلح الشعوب والمجتمعات على مزيد من تنسيق الطاقات وعلى فتح الحدود وإتاحة الفرص، أو في مراحل التوتر والأزمات عندما يتضخم الهاجس الأمني والدفاع كما خلال محنة الغزو العراقي للكويت عام 1990 والحرب التي تلته. أياً تكن الصيغة، تعاوناً أو اتحاداً، فهي تتطلب من الدول الأعضاء اتفاقاً واضحاً على المفاهيم والأهداف والمصالح، وهذه قد يطرأ عليها تغيير طبيعي يستدعي تحديث التفاهمات وصياغتها وكتابتها، وبالتالي تعديل بعض النصوص الحاكمة للعلاقات، وبالأخص للالتزامات لذلك يقود استحقاق "الاتحاد" منطقيا إلى التساؤل عما إذا كانت تجربة "التعاون"، قد حققت أهدافها وأتمت إنجاز برنامجها، ولا يعني ذلك بالضرورة انتظار انتهاء كل المشاريع المشتركة التي هي قيد التنفيذ، بل ان الانتقال من صيغة إلى أخرى لابد أن يبنى على تبلور اقتناع خليجي عام بأن "التعاون" بلغ درجة الارتقاء به، طبعاً، ليس هناك اتفاق على تقويم واحد للنجاح ولا حكم بالفشل وإنما تأكيد بأنه كان في الإمكان أفضل مما كان. في أي حال، ورغم أن مراجعة مرحلة "التعاون" واجبة، قد تكون هناك دوافع مستجدة للذهاب إلى صيغة "الاتحاد" فخلال العقود الثلاثة مرت كل دولة خليجية على حدة بتطورات وتغيرات بسرعات مختلفة وبرؤى خاصة متفاوتة، بل متناقضة أحياناً، وكما أن مجلس التعاون ولد كإطار للتضامن بين دول الخليج إزاء تداعيات الحرب العراقية-الإيرانية، يبدو الاتجاه إلى بلورة صيغة الاتحاد سعياً إلى التحسب للتحديات الإقليمية الآتية في إطار الأزمة بين إيران والدول الغربية بسبب برنامجها النووي وطموحها للاعتراف الدولي بنفوذها الإقليمي. ولو عزلنا هذا المعطى الجيو-ستراتيجي لننظر فقط إلى الدوافع الذاتية لدول الخليج كي تلج في تجربة اتحادية، سنجد أن هناك مجالات عدة تتطلب توحيد الجهود والطاقات والاستثمارات، منها خصوصاً الطاقة والدفاع والسياسة الخارجية، كان من الطبيعي أن تطرح تصورات كثيرة لشكل "الاتحاد"، وحفل الإعلام بعروض للصيغ المحتملة من فيدرالية وكونفيدرالية، أو اندماج وإزالة للحدود. لكن هذه المقاربة كانت تحليلية ومبنية على تجارب سابقة معروفة، وليس مؤكداً أن التجربة الخليجية ستتقولب حكماً في نمط محدد، بل يمكنها أن تستنبط ما يناسبها في هذه المرحلة على أن يصار إلى تطويره لاحقاً، فأي صيغة اتحادية ملزمة بإشعار أعضائها بأنها تحفظ ما يعتبرونه مكتسبات ومصالح لهم، إلا أنها تبقى بلا معنى ولا تغير شيئا في الواقع إذا لم يظهروا تصميما على توحيد خياراتهم الاستراتيجية، ورغم وجود رغبة اجتماعية وشعبية عارمة لرؤية هذا "الاتحاد"، إلا أن النقاش الإعلامي أظهر أيضاً رغبة في إحجام الحكومات عن العودة إلى الوراء فيما يتعلق بمسألة الحريات. لم يتصور أحد أي سيناريو اتحادي يمكن أن يؤدي إلى زوال أي كيان حالي أو تماهيه في كيان آخر، لم يحدث ذلك في أوروبا، ولا في أي من التكتلات الإقليمية الأخرى، أي أن "الاتحاد" هو درجة أعلى من التنسيق والتعاون على قاعدة اتفاق سياسي يعبر عن هواجس المرحلة، لذلك فإن الاحتجاج الإيراني والدعوة إلى التظاهر في طهران، فضلاً عن تظاهرات في البحرين، تبدو ردود فعل مبالغة، عدا أنها تحاول الدفاع عن أوهام أو تحدي سيادة دول مجلس التعاون وإرادتها لبلورة اتحاد في ما بينها، إذ أن إيران تعرف أن دول الخليج بينها معاهدات واتفاقات وروابط ومشاريع مشتركة وأخرى تكاملية، وأبسط اعراف حسن الجوار تفترض احترام هذا الواقع طالما أنه تم أساسا برضا هذه الدول وتوافقها، وإذا كان مجلس التعاون نشأ على خلفية الخطر الذي مثلته "إيران الثورة" فإن إيران ما بعد الحرب مع العراق لم تهتم ولم تحسن تبديد توجسات الخليجيين ومخاوفهم، بل على العكس زادتها من خلال التدخلات كما بسعيها إلى إقامة علاقات خاصة مع كل دولة على حدة مع الإصرار على تجاهل الكيان الذي يجسده مجلس التعاون. ليست الأزمة السياسية في البحرين هي الذريعة الوحيدة لـ"الاعتراض" الإيراني على مشروع "الاتحاد الخليجي" بل اتخذ هذا المشروع مطية لاستعادة الادعاءات بأن البحرين "إقليم منفصل" عن إيران وفقاً لما رددته صحيفة "كيهان" أو أنها كانت حتى عام 1971 المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، يفترض أن هذه الادعاءات باتت طي التاريخ وقد حسمها البحرينيون ولم تعد موضع تساؤل، لكن يلاحظ أن أحداً في المعارضة البحرينية لم يعد يرفض مثل هذه التصريحات الإيرانية أقله لإبقاء الأزمة في إطارها الداخلي واستطراداً الخليجي. لكن الحساسية التي أثارها المشروع الاتحادي تعزى إلى طرحه في لحظة بالغة الدقة لتجعل منه معطى جديداً في لعبة النفوذ والصراع الإقليمي، وذلك عشية ما يقال إنه "اختراق" قد يحصل في الأزمة النووية سواء بشقها التقني المتعلق بشروط وكالة الطاقة الذرية أو بشقها السياسي في مفاوضات الدول الـ "5+1" التي ستعقد اجتماعاتها المقبلة في بغداد، وفي اختيار العاصمة العراقية رموز كثيرة أهمها ترسيخ الاستقطاب الإيراني-الخليجي واندفاع إيران إلى تحصيل اعتراف بنفوذها مقابل تنازلات يمكن أن تقدمها في ملفها النووي.