24 نوفمبر 2025
تسجيلالبعض منا يغضب بسرعة وقد يستشيط غضباً وضيقاً في أبسط الأشياء، وعموماً سائر الأخطاء التي تكون غالباً في الحق الشخصي، العفو فيها أولى، والصفح عنها أحرى، وقلما ندم الإنسان على حلم تحلى به، بل قد يجد أن توفيقاً من الله رافقه ليبعده عن السقوط في أوحال الغضب، فكم من أسرة تشردت وأرحام تقطعت وحقوق مُنعت بسبب الغضب، وفي التسرع تحضرني قصة جنكيز خان حين كان في الخلاء ومعه صديقه الصقر، أراد جنكيز أن يشرب من الينبوع في أسفل الجبل، وكلما امتلأ الكوب وأراد أن يشرب جاء الصقر وانقض على الكوب وضربه بجناحيه فيطير الكوب وينسكب الماء، تكررت الحالة ثلاث مرات على التوالي، فاستشاط غضباً منه وأخرج سيفه وضربه فقطع رأسه ووقع الصقر صريعاً.ثم صعد فوق الجبل ليرى بركة كبيرة وفيها حيةٌ كبيرة ميتة وقد ملأت البركة بالسم، أدرك جنكيز خان كيف أن صاحبه كان يريد منفعته، لكنه لم يدرك ذلك إلا بعد أن سبق السيف عذل نفسه.أخذ جنكيز صاحبه الصقر ولفه في خرقه، وعاد للحرس وفي يده الصاحب بعد أن فارق الدنيا، وأمره بصنع صقر من ذهب تمثالاً لصديقه وأن ينقش على جناحيه : (صديقُك يبقى صديقَاً ولو فعل ما لا يعجبك).في المقابل تحضرني قصة أفعى كانت في ورشة، وبينما كانت تتجول داخل الورشة بين الخشب والمسامير، مر جسمها من فوق المنشار مما أدى إلى جرحها جرحاً بسيطاً، ارتبكت الأفعى وكردة فعل أرادت أن تعض المنشار، وعند لدغ المنشار، سال الدم من فمها، لم تكن تدرك الأفعى ما يحصل، واعتقدت أن المنشار يهاجمها، وحين تيقنت بأنها ستموت لا محالة، قررت أن تقوم بردة فعل قوية ورادعة. فالتفتت بكامل جسمها حول المنشار محاولة عصره وخنقه (حسب اعتقادها) ففقدت حياتها، وهنا الرجل الذي يفكر دوماً في الإنتقام ستبقى جراحة مفتوحة، وأول الغضب جنون وآخره ندم، ويحضرني ايضاً المثل الفرنسي القائل: (عندما تغضب النعاج تصبح أشد إفتراساً من الذئاب).فأحياناً نحاول في لحظة غضب أن نجرح غيرنا، فندرك بعد فوات الأوان أننا لا نجرح إلا أنفسنا والحياة أحيانا تحتاج إلى تجاهل، فليس كل أمر يستحق (ردة فعل) قد تضرك أو ربما تقتلك، وتكفينا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم، حين قال: (لا تغضب).إذن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف نتجنب الغضب؟ باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لأن الشيطان هو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب، وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله وأن يستغفر، فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب، والتطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه، والإمساك عن الكلام، وأن يغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا، ويضطجع إذا كان جالساً ، والابتعاد عن كل ما يسبب الغضب ، وتدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل في مختلف المجالات.أخيراً جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله علمني علماً يقربني من الجنة ويبعدني عن النار قال: (لا تغضب ولك الجنة)، وقال صلى الله عليه وسلم : إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خُلِق من النار وإنما يطفىء النار الماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.