18 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ عرفت بلادنا الثورات المتتالية في مصر والعراق وسوريا وكلها تقول إنها جاءت لقضية فلسطين، فقد رأينا هذه الثورات تدخلنا في هزائم كحرب يونيو وغيرها وهزائم في كل شيء. ورأينا أن الفلسطينيين يعانون فقد ضربوا على يد الثورات في تل الزعتر وضويقت المخيمات ولم يستطع الفلسطينيون أن يحصلوا على أي إنجاز، فمازالت المخيمات التي تؤلم القلب والتي هي عار في حق الأمة العربية ووصمة. وللأسف فإن الدول قسمت الفلسطينيين لفصائل من منظمة التحرير إلى انشقاقات فتح إلى انشقاقات الجبهة الشعبية إلى جبهة التحرير العربية إلى حماس الداخل والخارج والجهاد.. إلخ. ودخلت إيران على الخط وظلت الثورات تتنازع هذه المنظمات وتقف ضد المصالحة والتقارب وتشغل هذه المنظمات بصراعات داخلية وضاعت قضية فلسطين في صراعات الدول العربية والمشاريع المتناقضة ودخول المنظمات في هذه المشاكل. يرى الإنسان العربي أن قضية فلسطين أصبحت شماعة ودعاية للعرب. ولذا نجد الفلسطينيين يواجهون ظروفا صعبة في جوازاتهم ووثائق سفرهم، ويا ليت نرى ما يجري في المخيمات، وتنازل العرب ومعهم عدد من القيادات الفلسطينية خوفا أو إحباطا نتيجة التقارب مع أمريكا والغرب للحصول على مساعدات ودعم على حساب الشعب الفلسطيني، وجاءت المصالحة ومبادرات السلام التي لم تصل إلى حل وإنما مراوغات إسرائيلية وصمت عربي. وظهرت حرب الخليج وما سببته من أضرار على القضية وخسارة كبيرة وتغير في المواقف وأصبحت القضية ثانوية، وكانت أحداث غزة وغيرها وآثارها، كل هذا من انقسام فلسطيني وصراعات الدول العربية ودخول الفصائل الفلسطينية في ذلك، وتغير الصراع بدلا من اليسار وفتح إلى الإسلاميين والمنظمة وظهور أطراف عديدة، وبعدها يتم تسميم عرفات وكأنه المعوق أمام إسرائيل نتيجة جريمة حقد شارون وصمت العرب وكأن الرجل لا يمثل الشعب، وبغض النظر عن أخطائه، إلا أنه جزء من التاريخ الفلسطيني وضحية الصراعات السياسية العربية. والآن وبعد ظهور ثورات الربيع تفاءل الفلسطينيون خيراً، ولكن الأمور سارت في اتجاه آخر فقد انشغل الناس بصراعاتهم الداخلية إضافة للغزو الفكري عبر شبكات التواصل ودور الإعلام في تجاهل القضية الفلسطينية جعل الناس يضعون القضية الفلسطينية في الثلاجة، وخسرت المنظمات حلفاءها، فخسرت منظمة التحرير حليفها المصري وخسرت حماس حليفها السوري، ولكن ماذا حصل. لقد احتار الفلسطينيون ماذا يصنعون فكل مشغول بهمه، وظلت الأوضاع في المعابر بنفس الوضع ولم يتغير الوضع ولم تتحقق للفلسطينيين أحلامهم التي بنوها على الثورات واستمرت المستوطنات وتهويد القدس، ولم تتوقف إسرائيل بل زادت من جهودها ومخططاتها، ولا تجد من يقول أي كلمة، واستطاعت إسرائيل أن تحقق أحلامها بالصراع السوري الذي لا تريده أن ينتهي حتى تستنزف سوريا وجيشها وقوتها لتصبح أضعف من إسرائيل بعشرات المرات لتأمن جانب سوريا بعد أن أمنت جانب العراق وخروجه من دور المواجهة مع إسرائيل وبقي الدور على مصر في إدخالها في صراع يؤدي لحرب أهلية تجعل الجيش المصري والقوى تتصارع وتستنزف الاقتصاد وتضعف التسليح وتشغل الناس بحروب داخلية وتدمر البلاد لحساب المصالح الوطنية وانشغال هؤلاء بالصراع على السلطة دون الالتفات للعدو في الجانب الآخر، كل هذا والناس نيام وتحدث يومياً قضايا وأحداث بفلسطين لا تصل إلى أسماع العرب المنشغلين بصراعات داخلية تضر بالمصلحة العربية ولم يعد العرب يفكرون بقضاياهم القومية لأن هناك دعوات للطائفية والعرقية والتجزئة، فاليمن يراد أن يكون يمنين والعراق مجزأ وسوريا مأساة بشعبه وليبيا مشغولة بهمها والعرب كل عنده أجندة مختلفة وقضية فلسطين لا تشكل أولوية واهتمام للأسف، وأصبح العرب متصارعين يرون أن مخالفيهم من أبناء جلدتهم أشد من إسرائيل. إذ هناك خطر كبير يهدد القدس التي أصبحت قوانينها تهدد هويتها وحتى الرئيس الأمريكي لأول مرة يطالب بالاعتراف بالدولة اليهودية، ولم نسمع أي رد فعل من أي طرف سوى من الدول والجامعة العربية، وحتى أصحاب الربيع العربي، ومرت هذه دون أي تعليق، الحقيقة أن هناك خطرا كبيرا في المنطقة، زيادة المستوطنات، استمرار قضية الأسرى وزيادتها، إهمال المخيمات لأن هناك ما هو أم منها في حروب سوريا وغيرها ولاجئي سوريا مثل لاجئي العراق ضحايا هذه التغيرات. وغير المنظمات الدولية لا نجد من يتحدث من العرب، والقدس أولى القبلتين تسير نحو التهويد ومسخ هويتها وإسرائيل تنفرد بكل ذلك لأن العرب يذكرونا بدخول التتار إلى بغداد والشام، والعرب مشغولون، وتذكرنا بأيام الأندلس. وللأسف إن القيادات الفلسطينية لم تستوعب الدرس وتتحمل مسؤولية شعبها، فالمصالحة مازالت واقفة في خلافات لا أساس لها ولا يمكن للأجيال الفلسطينية والأيتام والشيوخ والأرامل أن تغفر للقيادات التي نسيت ذلك ولم تقدم تنازلات لصالح شعب فلسطين، فهي مستعدة لتقديم تنازلات لإسرائيل ولإيران، وليست مستعدة للتنازل لصالح الوحدة وعدم المراهنة على ما يجري، فإنه يجب أخذ العبر والدروس مما يجري. فعلى المنظمة أن تدرك أنها الأم والبيت للشعب الفلسطيني جميعاً وتتحاور من خلال عناصر وطنية جادة وتتجنب الشروط المتشددة وتعترف بوجود الفصائل الأخرى وتتعامل بواقعية مع المستجدات، وعلى حماس أن تستفيد من الدروس في سوريا ولا تراهن على الجانب الإيراني الذي يريد استخدامها كوبري كورقة، وهو لن يقدم شيئاً لفلسطين، وما يجري في سوريا ولبنان واليمن يكفي رسالة لقادة حماس ألا يسبحوا ضد التيار بعد أن انكشفت أهداف ومواقف قادة إيران وألا تراهن على إدخال مصر التي هي على كف عفريت وكذلك بقية الفصائل. وكذلك المنظمة وقيادة فتح يجب أن تفكر بنظرة المستقبل وتعيد ثقة الأمة بها وألا سبيل للجميع إلا بالوحدة والحوار وإجراء انتخابات وتأجيل المسائل الخلافية وقيام حكومة انتقالية والعمل جميعا في المجلس الوطني وفق المعايير التي يتم الاتفاق عليها بوساطة عربية ليعلم الجميع ألا حل إلا بالحوار الجاد وليس بتمييع وإفراغ الحوار من محتواه والمطالب التعجيزية. شعب فلسطين يريد من قياداته التي ضحى عدد منها بدمائها وأرواحها أن تضحي بشروطها التعجيزية لصالح الشهداء والأسرى والمضطهدين والقدس الشريف، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما العرب وثوراتهم منذ خمسين سنة فعليهم أن يصلوا عليهم صلاة الغائب.