02 نوفمبر 2025
تسجيلتساءلنا من قبل كيف ستواجه فرنسا افتراضات استراتيجية الخروج من مالي التي قد تكون مفتوحة الاحتمالات، مقارنة بالكيفية التي وضعت الولايات المتحدة نفسها فيها فيما يخص استراتيجية الخروج من أفغانستان، وهل ستبقى القوات الفرنسية في مالي بعد انتهاء مهمتها؟. في يناير الماضي وفي لمح البصر هاجمت قوات فرنسية قوات مالية أطلقت عليها وصف "مقاتلين إسلاميين" وسط مالي. في حين أعلنت دول أوروبية أخرى أنها ستسهم لوجستيا في العملية العسكرية.. اليوم يبدو أن فرنسا وجدت نفسها في وسط المستنقع المالي، وبدأت الأسبوع الماضي في سحب قواتها منها.. متحدث عسكري فرنسي قال إن باريس تنوي إتمام سحب ثلاثة آلاف جندي هذا العام.. فرنسا المتورطة تريد أن تنفد بجلدها على أن تحل محلها قوات حفظ سلام دولية؛ حيث دفعت بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بنشر قوات حفظ السلام، تتألف من حوالي (13) ألف جندي، ويندرج القرار الذي صاغته فرنسا بنفسها، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الخاص باللجوء إلى "كافة الوسائل الضرورية"، لحماية المدنيين وتحقيق استقرار المدن الرئيسية خاصة شمالي البلاد.. ومعلوم أن تلك العملية ستكون رابع أكبر عملية لحفظ السلام تقوم بها الأمم المتحدة، وتبلغ تكاليفها (800) مليون دولار سنويًا.. لتمرير هذا القرار قدمت باريس "عربونا" للولايات المتحدة الأمريكية لتضمن دعمها للقرار وهي العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي حيث لن تستخدم حق النقض (الفيتو) لمعارضة اقتراح أمريكي بتكليف قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، رغم أن ذلك يغضب حليفتها المغرب، حيث تعارض الرباط فكرة جعل مراقبة حقوق الإنسان ضمن مهام بعثة حفظ السلام في الصحراء الغربية بيد أن جماعات لحقوق الإنسان وجبهة بوليساريو المطالبة بالاستقلال تطالب منذ زمن طويل بهذه الخطوة، وظلت فرنسا الداعم التقليدي للمغرب في مجلس الأمن ملوحة باستمرار باستخدام "الفيتو" منعا لمثل هذا القرار. لعل الاستعمار الفرنسي من أنكى أنواع الاستعمار الذي ضرب القارة الإفريقية خلال القرنين الماضيين؛ وفرنسا تريد استمرار استعمارها ولكن بتكلفة أقل من خلال أنظمة إفريقية موالية لها تسبح بحمدها ليلاً ونهاراً.. التعاون الفرنسي مع الأنظمة الدكتاتورية الإفريقية قائم على تبادل المنافع ولكن بطريقة مختلة لا تصب في صالح الشعوب الإفريقية، ومن لا يذكر ذلك الفساد الفاضح عندما كان الإمبراطور جين بيدل بوكاسا آكل لحوم البشر الذي حكم جمهورية إفريقيا الوسطي منذ عام 1966 وحتى نهاية السبعينيات، يرسل أغلى أنواع المجوهرات للرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جسكار ديستان.. نعم هذا الضعف الإفريقي كانت تقابله انتهازية فرنسية حيث استمرت في نهب موارد القارة الأولية في مقابل تثبيت أركان الدكتاتوريات الإفريقية ولا عزاء للشعوب الإفريقية.. مالي المسكينة التي يبلغ تعداد سكانها (15) مليون نسمة منهم (66%) ما دون (24) عاماً، وبها ثاني أعلى نسبة إنجاب في العالم بمعدل (6) أطفال لكل امرأة، وتمثل النساء نسبة (53%) من مجموع السكان، ومع ذلك فإن متوسط عمر الفرد لا يتجاوز (53) عاماً، ومن الأرقام المخيفة أن نسبة التعليم لا تتعدى (27%)، بينما تتجاوز نسبة العطالة (30%). فرنسا الماكرة تتحدث عن التطرف الإسلامي في مالي وأنها جاءت لمحاربته، ونعلم أن التطرف ناتج عن السياسات الاستعمارية لفرنسا ومن بعدها الأنظمة الديكتاتورية التي تدعمها دون مواربة.. الفرنسيون معنيون بفرض ثقافتهم ولغتهم فضلا عن نهب ثروات الشعوب وفي مقابل ذلك ينشأ رد فعل عنيف في شكل حركات الإسلام (المتطرف).. فرنسا تعارض ما يسمى بالإسلام السياسي وهو مفهوم عريض يشمل الإرهابيين الذين يخرجون عن الملة بأفعالهم المدمرة كما يشمل المعتدلين الذين يؤمنون بالديمقراطية لكن فرنسا لا تطمئن على مصالحها بأسلوب تبادل المنافع المختل في ظل وجود الإسلام السياسي (المعتدل) ولذلك حاربت صعود الإسلاميين في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي عبر الانتخابات الديمقراطية ولم تهز المذابح التي حدثت بعد ذلك شعرة فيها.. لابد أن تقبل فرنسا الحوار مع الإسلام المعتدل ولابد أن تكتفي بما نهبته من ثروات وأن تقبل تبادل المصالح والمنافع بميزان معتدل وليس مختلاً بعيداً عن الانتهازية التي تستغل الضعف الإفريقي.. على باريس أن تحترم خيارات الشعوب الإفريقية سواء كانت (إسلام سياسي) أو غير ذلك طالما جاءت تلك الخيارات عبر عملية ديمقراطية حرة.