12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأدب والسيرة

20 مارس 2016

الذاتية هذا اللون الأدبي الجميل، الذي اعتبره بوحا أدبيا صادقا، بالدرجة الأولى هو ليس عبارة عن مجرد سيرة يسرد فيها الكاتب حكاية عمره ويتوقف في محطاته.أنها قصة حياة ومذكرات تروي عمرا قد يكون حافلا بالتجارب والأفراح والمآسي والوجوه والأسماء والأصوات وقد يكون منغلقا على الذات وأفكاره وغربته ومشاعره هي رحلة أدبية، يأخذك فيها الكاتب بجرأة إلى عالمه الخاص وتجربته الفريدة، وتتشكل الصور والأصوات والمواقف والأحداث على شكل رواية لها شخوصها وأبطالها السيرة الذاتية بالنسبة للكاتب هي فضفضة من نوع خاص وفريد وتخلص من القلق النابع من تجربته الحسية التي اكتسبها من الحياة، بشرط أن يكون الكاتب صادقًا مع نفسه حتى يصدقه القارئ، لا يكذب ولا يتجمل.نماذج أدب السيرة الذاتية كثيرة منها ما يكشف عن مآسي حياتية ومعاناة وأحداث مؤسفة مثل رواية السجينة للكاتبة مليكة اوفقير وأيضا في رواية الخبز الحافي للكاتب محمد شكري ومنها ما يضع القارئ أمام تجارب حياتية وخبرات تستمد قيمتها من أصحابها مثل (الرواية المستحيلة) للأديبة غادة السمان و(الأيام) للأديب طه حسين، ونعيشها لنرويها لجابرييل غارسيا ماركيز.إن السيرة الذاتية لابد أن تكون اعترافات صادقة بحيث يضع الكاتب ماضيه كله ووقائع حياته على السطور، يحلل مواقفه في الحياة، ليأخذ منها العبرة والعظة من أخطائه قبل أخطاء الآخرين كما عليه الابتعاد عن المبالغة وعليه ألا يحاول تجميل نفسه حتى يصدقه القارئ.وأهم ما يميز هذا اللون الأدبي أنه يعلمك الصدق في مواجهة النفس، ثم مواجهة الآخرين بلا أقنعة كتابة السير الذاتية تأتي من باب التحدث بنعم الله، ونقل تجارب مهمة عاصرها المؤلف إضافة لتوثيق الزمان والمكان الذي عاشه في مجتمعه. لذا فقد استهوى هذا الفن من غير الأدباء كثيرًا من الوزراء والعسكريين والساسة والأطباء وغيرهم في كل مجال وامتد هذا الفن في عالمنا العربي فكتب الأديب المصري أحمد أمين "حياتي" وكتب إبراهيم المازني "قصة حياة"، ثم كتب الأديب عباس العقاد "أنا" وكتاب "حياة قلم" والكاتب توفيق الحكيم كتب "سجن العمر".أما الكاتب ميخائيل نعيمة أصدر سيرته الذاتية في ثلاثة أجزاء حملت عنوان "سبعون" والشاعر نزار قباني أصدر سيرته الشعرية في "قصتي مع الشعر"، كما سجل المفكر المغربي محمد عابد سيرته في "حفريات في الذاكرة"، والشاعرة فدوى طوقان في رحلة جبلية وكتب الأديب الكبير إحسان عبد القدوس سيرته في "غربة الراعي" إلى جانب كتابه المهم عن فن السيرة الذاتية، والكثير ممن كتبوا في هذا المجال الذي يسحر القارئ بالاطلاع على تفاصيل حياتهم وما يدور في قلوبهم وعقولهم يبقى هذا الفن من أجمل فنون البوح والاعتراف الجميل والذي يلقى رواجا كبيرا عند جمهور المؤلف وكل من يداخله الفضول لمعرفة أسراره التي يضعها الكاتب بين يدي الناس مخلصا ضميره وقلبه من كل قلق.