14 سبتمبر 2025
تسجيلفيما كان الشعب التونسي ينتظر من الحكومة الجديدة أن تأتي ببرنامج جديد لمواجهة التحديات التي تواجهها تونس منذ أن أنجزت ثورتها، لاسيَّما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، تعرضت البلاد صبيحة يوم الأربعاء 18 مارس الجاري إلى هجوم إرهابي عنيف في غرب العاصمة التونسية، وتحديدا في المتحف الوطني بباردو الشهير المحاذي مباشرة لقصر البرلمان التونسي، أسفر عن مقتل 24 شخصاً، منهم 20سائحاً وعنصر أمن وفتاة تونسية، و48 جريحاً، بينما أردت القوى الأمنية اثنين من المهاجمين بحسب التلفزيون التونسي العام. والحال هذه، سجل الإرهاب نقلة نوعية وتكتيكية في ضرباته من استهداف العسكريين في الحدود والجبال إلى ضرب المقار الرسمية والمنشآت السيادية في العاصمة التونسية. وضاعف من تأثير خطورة هذا الهجوم الإرهابي، أنه استهدف قلب الدولة التونسية، أي قصور باردو العريقة، التي تضم: البرلمان، ومركز السلطة التنفيذية والتشريعية، والمتحف الوطني، وهو معلم سياحي عريق، كان يعج يوم الأربعاء الماضي بعشرات الزوار، ويرتاده سنوياً عشرات آلاف الأجانب، فيما بدا محاولة لضرب السياحة التونسية، مع بدء الموسم الحالي الذي يعوِّل عليه التونسيون كثيراً، بعد سنوات من تراجع النشاط السياحي بسبب الأوضاع غير المستقرة التي أعقبت الثورة على نظام بن علي، وهو ما ألمح إليه رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد. وكان الاقتصاد التونسي، ولا يزال يواجه صدمتين في الوقت الحاضر: صدمة مرحلة الانتقال الديمقراطي طيلة السنوات الأربع الماضية، التي كانت سمتها الرئيسة بقاء تونس في ظل حكومات الترويكا والتكنوقراط الفاشلة، والتي أثبتت عجزا فاضحا في محاربة الإرهاب، بل إن الإرهاب استوطن في عهدها، وصدمة الحرب الدائرة في ليبيا، والتي كانت لاستمرارها ولا تزال تداعيات مباشرة على حياة الشعب التونسي البالغ تعداده ما يقارب 11مليون نسمة. وجاء هذا الهجوم الإرهابي في ظل انتشار السلاح في البلاد التونسية، واستيطان الإرهاب، وتزايد الأعمال الإرهابية التي نفذتها مجموعات سلفية متشددة في المناطق الحدودية مع الجزائر، وتحديداً في سلسلة جبال الشعانبي أين تتمركز كتيبة عقبة ابن نافع المرتبطة بـ«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي »، ليمثل نقلة نوعية حين انتقل هذا الإرهاب إلى ضرب قلب العاصمة التونسية، في قراءة موضوعية لهذا الهجوم الإرهابي، الذي استهدف مراكز سيادية للدولة التونسية في قلب العاصمة، يمكن للمتابع للمشهد السياسي التونسي، أن يلمس بوضوح الفشل الاستخباراتي التونسي في حماية المؤسسات السيادية السياسية والاقتصادية للدولة، والقدرة الكبيرة للتنظيمات المتشددة على اختراق المربع الأمني الحساس، مثل مبنى المتحف الوطني الواقع داخل قصور باردو التاريخية، ومن ضمنها مقر البرلمان التونسي، ما يثير الشكوك بشأن التدابير الأمنية التي تتخذها الحكومة التونسية في الحرب المفتوحة ضد الجماعات الإرهابية التكفيرية، والتي أوقعت عشرات الضحايا في صفوف المدنيين وقوات الأمن والجيش، فضلاً عن مئات الجرحى. إن خوض الحرب على الإرهاب يتطلب من الدولة التونسية بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية اتخاذ القرار باستئصال الإرهاب عن طريق تعبئة كل الطاقات الوطنية والرفع من أداء القوات المسلحة الأمنية والعسكرية وتطوير الأدوات الاستخباراتية والاستعلامية وتحييد المساجد ومحاصرة البؤر الإرهابية وتكثيف المراقبة الحدودية وتمتين التعاون الإقليمي والدولي والرفع من مستوى تجهيزات القوات المسلحة والتسريع بالمصادقة على قانون الإرهاب وتفعيله والإحاطة بعائلات شهداء الأمن والجيش والعمل على تمتين الجبهة الداخلية عن طريق الحوار والتفاعل الإيجابي ونبذ التجاذبات السلبية مهما كان مصدرها ومأتاها واستحثاث الإدارة التونسية على مزيد الجدوى والفاعلية في التقدم بإنجاز الخطط التنموية والمشاريع المعطلة ومقاومة التهريب والفساد والاحتكار لتوفير مزيد مواطن الشغل والنهوض بالجهات المحرومة خصوصا بالمناطق الحدودية.إن الحرب على الإرهاب يقتضي دعم جهود الإصلاح الوطني المبذولة من قبل القوى السياسية التونسية المؤمنة ببناء الدولة الديمقراطية التعددية، وتشجيع إصلاح القطاع الأمني سياسياً، ومالياً وتقنياً، خصوصاً من خلال إنشاء قوات أمن محترفة وتجنب تسييس إدارة هذه القوات، وتوسيع المشاركة السياسية والتعددية، وتحقيق التنمية المستدامة، والتوصل إلى توازن اجتماعي وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني بغية التصدي للظروف التي تعزز العنف والتطرف. كما تقتضي الحرب على الإرهاب أيضاً متابعة الجهود لإنشاء جهاز مخابرات وطني ودمج أجهزة المخابرات ووحدات مكافحة الإرهاب فيه، لكي تعمل تحت سقف قيم الجمهورية العلمانية، والقضاء على كل الأجهزة الأمنية الموازية المتحالفة مع الإرهابيين. إن القاعدة الأساسية للنجاح تتمثل في إستراتيجية حكومية فعالة لمكافحة الإرهاب تضع أهدافاً واضحة ومدروسة لكافة الإدارات والوكالات المختصة بما في ذلك وكالات إنفاذ القانون وإدارات الاستخبارات والإدارات العسكرية ووزارات الداخلية والخارجية، هناك حاجة لإنشاء آليات وطنية فعالة تقوم بتنسيق الإستراتيجية الوطنية خاصة ما يتعلق بأعمال إنفاذ القانون ووكالات الاستخبارات والتعاون الإقليمي والدولي.