23 سبتمبر 2025

تسجيل

إشكالات السباق الرئاسي في مصر

20 مارس 2012

على الرغم من كل ما يقال عن النية لتقليص دور الرئيس في الدستور القادم، فإن موقع ومنصب الرئاسة مازال يحتل مساحة كبيرة من اهتمام المصريين وتقديرهم. هذا التقدير هو ما جعل كثير من المصريين في السابق يرفضون فكرة الخروج على الحاكم حتى لو قادهم وقاد بلدهم من كبوة إلى أخرى. ولهذا رأى البعض أن الثورة التي قام بها المصريون على مبارك مثلت طفرة فى الشخصية والعقلية المصرية، على اعتبار أنها جاءت من شعب يميل إلى التوحد في الغالب مع حاكمه ولا يفكر في الانقلاب عليه حتى في أحلك الظروف. وعلى الرغم من أن هذا التقييم يبدو صحيحا في جانب كبير منه، إلا أنه لا يعني أن المصريين بعد أن قاموا بثورتهم قد تخلوا عن اعتقادهم بأهمية منصب الرئاسة أو محورية دور الرئيس. فما زال الطموح الأساسي لدي كثير من المصريين أن يحل حاكم أفضل محل الحاكم الذي رحل، ومازال الكثيرون يعولون على الرئيس المنتظر في أن يقوم بإصلاح ما عجزت بقية مؤسسات الدولة حتى الساعة عن تحقيقه. وعليه يمكن القول إن كل الترتيبات المزمعة في الدستور الجديد، والمتعلقة بتقليص صلاحيات الرئيس وتحديد دوره، لن تقلل من توقعات المصريين بخصوص ما يستطيع الرئيس القادم أن يفعله، ولن تقلل من اهتمامهم بالانتخابات الرئاسية، وهو الاهتمام الذي تطور لدى البعض، أو بالأحرى لدى الكثيرين، إلى حد اتخاذ القرار المدهش بالترشح الشخصي لشغل منصب رئيس الجمهورية الأمر الذي جعل من كثرة أعداد المترشحين أولى الإشكالات التي صاحبت انطلاق سباق الرئاسة المصرية. ويعكس هذا الإقبال المبالغ فيه على الترشح لمنصب الرئيس، في قدر كبير منه، طموحا تلقائيا من أناس بسطاء ربما أرادوا التأكد من تحررهم الفعلي من حالة الفرعنة السياسية التي كبلتهم طوال العقود الماضية. ولكن بغض النظر عن النوايا الطيبة لدى هؤلاء فإنه من المفهوم أنه لن يتمكن سوى عدد قليل منهم من استيفاء شروط الترشح، وتحديدا أولئك الذين يتمتعون إما بالشعبية المناسبة أو بالقدرة على إقناع العدد اللازم من نواب مجلسي الشعب والشورى للحصول على توكيلاتهم، وحينها فإن التحدي الأساسي الذي سيواجه هؤلاء المرشحين سيتمثل في مدى نجاحهم في الخروج من أسر الدعاية اللفظية والوعود الفضفاضة لصالح كسب ثقة الناخبين على أساس من البرامج الفعلية. فمن خلال هذا المعيار ستتم المفاضلة بين من سيتبقى من هؤلاء المرشحين في المراحل المتأخرة من السباق الانتخابي. وبخلاف كثرة أعداد المترشحين ومدى جدية برامجهم الانتخابية فإن من الإشكالات المرتبطة بهذا السباق الانتخابي أن من يخوضونه يطمحون لشغل منصب لا يعرفون طبيعة صلاحياته، فالحاصل أنه لم يتم بعد الاستقرار على طبيعة النظام السياسي بفعل عدم البدء في كتابة دستور البلاد. ومن الوارد، وإن كان باحتمال ضعيف، أن ينعقد قرار الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور على اختيار النمط البرلماني الذي يحكم فيه حزب الأغلبية من خلال البرلمان. وحينها لن يصبح لمؤسسة الرئاسة ولا لشخص الرئيس من أهمية سوى الأهمية الشرفية كرمز للدولة وليس أكثر، الأمر الذي سيقلل من رغبة الكثير من هؤلاء المرشحين في الاستمرار في السباق الانتخابي، خاصة وأن الجادين منهم يتبنون برامج طموحة لا تتناسب مع النظام البرلماني الذي يعطي كافة الصلاحيات للحكومة والبرلمان. ومن الإشكاليات التي تثيرها هذه الانتخابات أيضا تعدد المرشحين الممثلين لكل تيار، فمن داخل التيار الإسلامي يوجد ما يزيد على الأربعة مرشحين، ومن داخل التيار العلماني وممثلي النظام القديم يوجد أيضا اكثر من مرشح. هذه الوفرة فى عدد المرشحين الممثلين لكل تيار سوف تؤدي بالضرورة إلى تفتيت الأصوات، خاصة في ظل عدم استقرار الأحزاب الكبرى على دعم مرشحين بعينهم، فمازال الحزبان الكبيران في البرلمان (الحرية والعدالة والنور) مترددين حول من يدعمون لمنصب الرئيس، في الوقت الذي شهدت فيه القواعد البرلمانية لهذه الأحزاب ميلا لصالح مرشحين لم تزكهم قياداتهم. والمشاهد أنه حتى مع تأكيد هذه الأحزاب على نوابها عدم التسرع في تأييد مرشحين بعينهم، إلا أن الكثير من هؤلاء قد خالفوا هذه التوصيات، الأمر الذي ترتب عليه حالة من الانقسام التي طالت في بعض الأحيان الهيئات العليا لبعض هذه الأحزاب. وقد بنت هذه الأحزاب مواقفها في هذا الخصوص وفق حسابات معقدة. فحزب الحرية والعدالة مثلاً يخشى من أن يلقي بثقله خلف مرشح إسلامي، فتصبح كل من مؤسسة البرلمان والرئاسة محسوبتين على التيار الإسلامي، فإذا ما تعثر هذا الرئيس في الخروج بالبلاد من مشكلاتها، أو تأخر نجاحه المنشود في مواجهة الأزمات، فإن هذا التعثر أو التاخر سيسجل كشهادة فشل في حق المشروع الإسلامي برمته، الأمر الذي قد يلغي أي احتمال لفوزه في المستقبل بثقة المواطنين، ولذلك تبني هذا الحزب فكرة الرئيس التوافقي على اعتبار أن نجاح مثل هذا الرئيس سوف يحسب لكافة التيارات التي شاركت في اختياره، كما أن فشله لن يحسب على فريق دون غيره. أما حزب النور فهو يخشي مما يبديه المرشحون الإسلاميون الحاليون من استقلالية في القرار وعدم اهتمام بالرجوع إلى المرجعيات الشرعية فيما يتخذونه من مواقف الأمر الذي يثير لديهم قدرا من التردد فى مساندة أيا من الأسماء المطروحة للرئاسة. وأخيرا وليس آخرا فإن من التحديات المرتبطة بانتخابات الرئاسة أيضا أن كثيراً من المصريين ممن لهم حق التصويت فيها يشغلون أنفسهم بموقف الدول الكبرى من الرئيس القادم بأكثر مما يهتمون بمقدرته على مواجهة الأزمات الداخلية وإيجاد حلول لها. هذه الخاصية من الاهتمام بالخارج على حساب الداخل ترسخت فى وجدان الكثير من المصريين بفعل اعتبارات متعددة، أهمها ما نجح النظام السابق في تأكيده من أن للخارج يد طولى في التاثير على الأوضاع الداخلية وفي تغيير موازيين القوى الإقليمية. وربما لهذا السبب يتخوف الكثيرون حتى من المتعاطفين مع التيار الإسلامي من فكرة اختيار مرشح ذي توجه إسلامي في هذه المرحلة، ليس لقناعتهم بضعف قدراته، ولكن لقناعهتم بأن مثل هذا المرشح لن يكون محل رضى الغرب الأمر الذي سيقلل فرصه في النجاح. من جانبهم يختلف مرشحو الرئاسة فى التعاطي مع التحديات السابقة، فلكل منهم أسلوبه وطريقته فى التعامل مع ما يقلق الرأى العام أو ما تتخوف منه الأحزاب، هذه التباينات بين مواقف المرشحين، وقدراتهم الشخصية وبرامجهم العملية تشكل موضوعات مستقلة جديرة بالمناقشة والتحليل فى مقالات لاحقة إن شاء الله.