18 سبتمبر 2025

تسجيل

شروط رئيس الدولة الإسلامية (1)

20 فبراير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا يكاد يخلو كتاب من كتب السياسة الشرعية قديما أو حديثا، من الحديث عن شروط رئيس الدولة المسلمة، والخوض في تفاصيلها لأن منصب الرئاسة أعظم الولايات، وأكبر العقود في الدولة الإسلامية وهو كذلك أهمها وأخطرها أثرا في حياة الأمة، لأنه يتعلق بالإسلام حراسة وتطبيقًا، وبالمحكومين رعاية وإصلاحًا.. ولهذه الأهمية وتلك الخطورة التي تترتب على إتمام هذا العقد احتاط فقهاؤنا وأسهبوا في شروط من يتولى هذا المنصب سعيًا وراء تحقيق المهمة التي من أجلها ينعقد له العقد، وتتم له الولاية. ومن أهم الشروط بين فقهاء السياسة الشرعية (الإسلام والعدالة، والعلم والكفاية، وسلامة الحواس والأعضاء مما يؤثر في الرأي والعمل). أما كونه مسلما فلأن الغاية الأساسية من منصب الرئاسة تنفيذ شريعة الإسلام بإقامة الفروض وتحقيق العدل وحفظ الحريات، فكيف يمكن تنفيذ هذه الشريعة، أو كيف ترعى مصلحة الإسلام وأهله إن لم يكن متولي هذا المنصب مسلمًا؟وليس في استبعاد غير المسلم من رئاسة الدولة الإسلامية انتقاص أو تضييق عليه، بل هذا هو المنطق والمعقول، وليس من الحرية في شىء أن يتولى القيام على تنفيذ دين الأغلبية واحد من غيرهم. والقرآن الكريم يقول: ﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ﴾، آل عمران 28.ويقول أيضًا: ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ النساء 141، والإمامة أعظم السبيل كما يقول ابن حزم، فمن البديهي أن تودع هذه الأمانة بيد من يؤمن بهذا الدين وأن لا تسند لمن لايؤمن به.وأما شرط العدالة فلأنها شرط في كل منصب وولاية، ولأنها تشترط في قبول الشهادة والرواية، فكيف لا تشترط في منصب الرئاسة.والعدالة هي ملاك الأمور وعليها تدور الدوائر، ولا ينهض بأمور الإمامة (الرئاسة) إلا العدل الذي تجرى أفعاله وأقواله وتدبيراته على مراضي الرب سبحانه، فإن من لاعدالة له لايؤمن على نفسه فضلا عن أن يؤمن على عباد الله ويوثق به في تدبير دينهم ودنياهم كما يقول الإمام الشوكاني.. وهي تعني التحلي بالفرائض والفضائل، والتخلي عن المعاصي والرذائل، وعن كل ما يخل بالمروءة. كما تقتضي أن لا يرتكب الحاكم أي ظلم سواء كان متعلقًا بالمال، أو الحرية أو العرض، أو أي حق من الحقوق، وسواء أكان ظلمًا بقول أو فعل.أما من عرفوا بالسكر والعربدة والفساد وموالاة أعداء الأمة فلا تصح لهم رئاسة، ويجب أن يحال بينهم وبين ارتقاء أرفع المناصب فى حياة الأمة، وأجلها مكانة، وأعظمها خطرا. شروط رئيس الدولة الإسلامية ( 2 - 2 )وأما شرط الكفاية السياسية، فيعتبر الاختبار الحقيقي لعلمه وعدالته، والمرآة العاكسة لقدرته على الإدارة وصلاحيته لقيادة الأمة، والذي عبر عنه الماوردي بقوله: الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.وعني فقهاؤنا بالكفاية في هذا الموطن القدرة على قيادة الناس، وتوجيهم وإدارة شؤون البلاد، والنهوض بتبعة الحكم وأعبائه، والانتصار للمظلوم من الظالم، والقيام بالقسط، وتوجيه الجيش وتدبير أمره. والقدرة على إدارة الدولة هي أبرز سمة ينبغي توافرها فيمن يرشح لمنصب رئاسة الدولة، إذ يستطيع من خلالها توظيف الطاقات والاستفادة من أصحاب الخبرات، وتوجيه أصحاب التخصصات، فيكفونه في كل مجال، ويكونون له خير عون في تحقيق رسالته في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.وأما شرط السلامة فيعني الفقهاء به سلامة الحواس والأعضاء من كل ما يؤثر فيها تأثيرًا يؤدي إلى الإخلال بواجبات رئيس الدولة.. وهو ما يعرف حديثا بالوضع الصحي والحالة الصحية لرئيس الدولة.وما دامت الرئاسة عقد بين الأمة ورئيس الدولة، وما دامت شروط الرئاسة معتبرة في الابتداء ومعتبرة في الاستدامة والبقاء كما قرر الفقهاء، فإن الوقوف على الوضع الصحي لرئيس الدولة، والاطمئنان إلى سلامته من كل ما يؤثر على أداء مهامه والقيام بواجباته يصبح حقًا للأمة لاستدامة العقد، وإن أي غموض يكتنف هذا الأمر ويتجه إلى إخفائه وصرف الأعين عنه ــ اللهم إلا في بعض الظروف والأحوال التي تقتضي ذلك لمصلحة الأمة ــ يعتبر اعتداءً على حق الأمة، ويدعوها للتحرك للاستيثاق من أن العقد ما زال قائمًا وساريًا أو تعلن رأيًا آخر.أما أن يصبح الوضع الصحي لرئيس الدولة من المحرمات، أو ما يشبه الأسرار العسكرية التي لا يحل إفشاؤها فذاك أمر خارج عن نطاق العقد.أما العلم فقد اشترط الفقهاء أن يكون المرشح لرئاسة الدولة عالمًا، وأول ما يجب العلم به هو أحكام الإسلام، وقد بالغ البعض فاشترط في المرشح لمنصب الرئاسة أن يكون مجتهدا، ولكن الحد الأدنى من العلم الذي يؤهله لقيادة الدولة يعتبر شرطًا في إمامته وما فوق ذلك فهو شرط كمال أو أفضلية، ويجبر هذا أن يحيط نفسه بالأكفاء والعلماء من المستشارين والمساعدين في مختلف التخصصات. وإن الأمة تحتاج إلى إمام فعال لا إلى إمام قوال، تحتاج إلى إمام قادر على إدارة الدولة وسياسة الأمة لا إلى "مفتي" في الأمور الشرعية أو أستاذ للعلوم الإسلامية في إحدى الجامعات.كما أن مبنى الدولة في العصر الحديث على كونها دولة مؤسسات، تقوم كل مؤسسة فيها بكفاية الأمة فيما أسند إليها وسد الثغرة التي أوقفت عليها، ويبقى دور الإمام الفعال في المباشرة والمتابعة والمحاسبة لكل مؤسسة يثبت تقصيرها أو إهمالها.كما أن كل نقص في تكوين رئيس الدولة العلمي، أو عدم معرفته بموضوع ما، يجبره المتخصصون من العلماء، ويوضحونه له، أما الذي لا يستطيع أحد جبره فيه وتعويضه عنه فهو العدالة، فإن لم يكن متصفًا بالعدالة فويل للرعية منه، وما أكثر المآسى التي تقع للأمة على يد من افتقروا إلى العدالة، وتسنموا سدة الحكم متخطين هذا الشرط الرئيسي.وقد قرر فقهاؤنا أن شروط عقد الرئاسة (الإمامة) كما تعتبر في الابتداء – عند الترشح - تعتبر في الاستدامة والبقاء – في الدوام والاستمرار - ضمانًا لحق الأمة، ونزولًا على إرادتها، وتقديرًا لحريتها واستدامة لممارستها هذا الحق متى شاءت اختيارًا أو إسقاطًا، وإذا لم تكن متوفرة من البداية لم يصح العقد أصلًا وكانت الولاية باطلة، وإذا اختل شرط من شروطها بعد ذلك صار العقد باطلًا أو وجب الحكم ببطلانه.ولكن يظل أمر عزل الحكام الفاسدين المستبدين في كل زمان موكولا لأهله، وموضع تقدير واجتهاد أهل الشورى والتأثير في كل عصر، يقدرون الخطورة ويرتبون عليها التصرف الأمثل لمعالجتها وفقا لاعتبارات كثيرة منها حالة قوة الأمة واصطفافها خلف علمائها وذوي الرأي، وقدرتها على عزل الرئيس دون أن يفضي ذلك إلى مفسدة أعظم من مفسدة عزله بعيدا عن بعض التنظيرات الجامدة القديمة التي يريد لها البعض أن تكون حكما عاما وقاطعا في كل زمان ومكان، لأن القضية اجتهادية يتغير فيها الحكم تبعا لتغير الظروف والأوضاع والأزمان ولذا كانت من مسائل السياسة الشرعية، وكذلك يعتبر في ذلك أيضا قوة وقدرة الحاكم نفسه وتحصنه بقواته الأمنية والعسكرية ومدى مطاوعتها له وجرأتها على سفك الدم المحرم وإجهاض أي تحركات تجاه عزله وخلعه.وكما قال أبو حامد الغزالي: أكثر مسائل الإمامة وأحكامها مسائل فقهية يحكم فيها بموجب الرأي الأغلب.