12 سبتمبر 2025
تسجيلذلك حدث أخيرا وبالتأكيد لن يكون آخرا؛ فعندما زار الدكتور نبيل شعث غزة والتقى قيادات حماس والحكومة وصرح تصريحات تشعر بالأمل مختلفا عن كل ما سبق.. وتهيأ لنا قرب تحقق المرغوب وإمكانية التوصل للمطلوب؛ إذ بعزام الأحمد - القيادي الفتحوي الآخر ومستشار - الرئيس – يسارع للخروج إلى الإعلام وليصرح بأن المصالحة لا تمر إلا من خلاله شخصيا، وأن الدكتور شعث لا يعبر إلا عن آرائه الشخصية، وأنه ذهابه لغزة يأتي في سياق ترتيب البيت الداخلي الفتحوي وليس للمصالحة.. في نفس الفترة انطلق " هباش " أمام الرئيس وبين يديه وأمام أكبر القيادات المرافقة يتهم حماس بالنفاق ويشتمها في خطبة الجمعة بمسجد التشريفات.. وانطلقت أجهزة "كيث دايتون" الأمنية السلطوية المتعاونة مع الاحتلال لتعتقل وتعذب أنصار حماس في الضفة.. هذا المشهد يضع على لساني ثلاث كلمات.. الكلمة الأولى: أن زيارة نبيل شعث لغزة بالفعل لم تكن للمصالحة ؛ ولكن لترتيب أوضاع فتح بعد عودة مجموعة من أنصار دحلان إليها على أثر مبادرة حماس للمصالحة وسماحها بعودتهم ؛ ودحلان هذا مطرود من فتح على خلفية اتهامات وجهها للرئيس عباس وأهل بيته - وإذن فمنظمة فتح الموالية لعباس خشيت أن تقلب هذه العودة موازينها الداخلية لصالح دحلان المطرود، وأن تكون ضمن تنسيق أو مقايضة مع حماس.. ما أكد هذه الخشية أن تمردات بدأت في صفوف المنظمة تمثلت في خصومة مع نبيل شعث وفي استقالات جماعية للقيادة الفتحوية هناك الكلمة الثانية: أن فتح لم تتعامل مع المصالحة في يوم من الأيام بجدية قبل الانقسام ولا بعده.. فإن تكلمنا عما بعد الانقسام فهي لم تعتبر المصالحة أولوية وطنية مهما قالت غير ذلك، ولكنها تعاملت معها من ثلاث زوايا ؛ الزاوية الأولى: المناورات الإعلامية ؛ إما لصرف الأنظار عن ملف يراد صرف الرأي العام عنه، أو لتصديق لزعم الرغبة في المصالحة أو لمقايضة (إسرائيل) على ملف ما، أو للعبث في لتحريك عناوين داخلية في فتح، أو لغير ذلك من المناورات.. الزاوية الثانية: وتعاملت مع المصالحة كفرصة للضغط على حماس في إطار تغير ما يطرأ وتظن أنه فتح لها تلك الفرصة وأن عليها أن تستغلها.. والزاوية الثالثة: أنها - أي فتح - كانت تلجأ للمصالحة كلما سقط رهان من رهاناتها على أن تزيح حماس بالقوة الذاتية أو القوة المستجلبة ؛ ولنتذكر أن فتح لم تطلب المصالحة منذ 2007 إلا مرتين لا سواهما ؛ مرة ؛ بعد أن فشل العدوان الصهيوني 2008 - 2009 الذي ظلت تراهن عليه منذ الانقسام أن يعيدها إلى غزة.. فلما وقع الغزو تعاونت معه ثم لما فشل وخلت يدها منه قبلت لأول مرة أن تحاور حماس، أما المرة الأخرى فكانت عندما سقط الكنز الاستراتيجي للعدو، والعدو الاستراتيجي للشعب القضية - حسني مبارك - وأحست عند ذاك بأن يدها خلت منه وسقط رهانها الآثم عليه.. الكلمة الثالثة: هي أن الشعب الفلسطيني وقعت تحت كل حواسه حقيقة لمسها بيده ورآها بعينه وشمها بأنفه وسمعها بأذنه وذاقها بلسانه، هي أن فتح – القيادة - لا ترى المصالحة مع حماس في مصلحتها وبالذات في هذه الفترة ؛ فهي تخشى أن تدخل بسببها في أزمة مع العدو، وأن تتورط مع حماس في التزامات هي بين العاجزة أو المتخاذلة عنها، ثم لأن المصالحة لها مقتضيات تجاه مرجعية القرار الفلسطيني، ومسار ونتائج المفاوضات، ومسلسل وحدود التنازلات، ومنهجية التعامل والتعاون مع الاحتلال، وفردية التحكم في السلطة وموازناتها.. إلى آخر هذه السلسلة من الالتزامات والمعالجات التي تتناقض وجودا وعدما مع وجود السلطة ووظيفتها ووهويتها والتي لا عيش لها من دونها.. آخر القول: لقد بات يقينا أنه حتى تتحقق المصالحة الفلسطينية لا بد من متغيرين اثنين على الأقل ؛ جيل آخر من فتح، يحمل أيديولوجية وتقنية الوحدة الوطنية الحقيقية، وأن تسقط كل الرهانات على إنهاء الانقسام بالمغالبة والتصادم.. عند ذلك فقط يمكن أن تتحقق المصالحة.. وحتى ذلك الحين أعتقد أن على حماس أن تحتفظ بأوراقها وألا تعطي هؤلاء أي أولوية في التحرك أو الخيارات.