01 أكتوبر 2025

تسجيل

عقود إذعان المواطن

20 فبراير 2013

اكتظت المحاكم وضج المواطنون بما يواجهونه من تصرفات المؤسسات في قطاع العقار غير المسؤولة والقطاع المالي المهيمن، والتي في العادة تنقصها أبسط مبادئ الأمانة والصدق في قطاع العقار وأبسط مبادئ العدالة في قطاع المال، لم يعد صاحب المشروع يثق بالمقاول وملأه الشك، ولا حل إلا في المحاكم. ففي غياب القوانين والآليات التي تردع من تسول له نفسه باللعب في الشقوق، ودون وجود عقوبات رادعة، فما زال القانون هو الالتزام بالعقد وهذا صحيح نظريا، ولكن عمليا يرى المقاول أن هناك هامشا كبيرا يستطيع الحركة فيه قبل أن تلزمه المحكمة الالتزام والتنفيذ، وهو قادر على تعطيل مصالح العامة واستخدام سيف الزمن في صالحه، دون أن يتم تغريمه بشكل يردعه، ولذلك فإن المنظومة الحامية للمستثمر أو المالك من سلوكيات المقاولين أو المطورين غير المسؤولة والتي يركن إليها المقاول أو المطور هشة ويمكن الالتفاف عليها بسهولة، لضعف القوانين التي تحمي المواطن والمستثمر في متعرجات قطاعي المقاولات والمال. فإن اختلفت الحالات إلا أن النتيجة واحدة، مشاكل متراكمة لدى المحاكم، فلا إدارة حماية المستهلك ولا وزارة العدل ولا وزارة الأعمال والتجارة ولا المصرف المركزي ولا غرفة التجارة قدمت ما يحمي المواطن في سوق العقار أو سوق المال، فالمقاولون والمطورون محليين أم من خارج الدولة، فالوعود والإعلانات في الجرائد وفي الأسواق المركزية تعد بالسيارات وغيرها وتسليم الفلل والشقق في مواعيد لا يلتزم بها البتة، وليست هناك حوافز لخلق دافع لتسليم العقار، فيجب وضع منظومة تعويضات تفوق قيمة العقد بعدة مرات لخلق دوافع رادعة، أما إلزام المقاول والمطور بقيمة العقد فإن ذهاب المواطن أو المقيم للمحاكم لا يخلق رادعا، فهو حسب حسابات المطور أو المقاول ملزم على أي حال بها، فليست هي رادعا في مفهوم المقاول أو المطور اليوم، فسقف خسارته %10 من قيمة العقد مهما سبب من تأخير ومعاناة لصاحب المشروع، فالقوانين الحالية لا تخلق دافعا لدى المقاول أو المطور للالتزام. أما عندما تكون التعويضات كبيرة، فإنه سيحرص على إنهاء العقد دون تردد، لأنه قد يخسر الكثير الكثير، أما الآن فإن القانون يعمل في صالح المقاول والمطور الذي بنى إستراتيجية حول القوانين القائمة، ويظل المواطن تحت رحمة المقاولين أو المطورين ويخلد مرغما إلى مبادئهم وأخلاقياتهم، فما يعد المقاول وما هو موجود في العقد وما هو مثبت في الرسومات لا يمت بصلة لما هو منفذ على الأرض. ومنذ لحظة التوقيع تبدأ تجربة المواطن المريرة والتي ترتكز على إستراتيجية المقاول وهي فرض الواقع نتفة نتفة، والمقاول يراهن على أن العميل لن يذهب إلى المحاكم، فهو لا يملك الوقت، ولأن المقاول لديه تلك الإستراتيجية فقد وضع إجراءات في العادة تحميه والعميل لم تتضح له الصورة بعد، فيقع في سلسلة من الموافقات والتنازلات والتي لا يعلم نهايتها، فتأتي المحكمة لتثبت أن خبرة المقاول تفوق قدرة المواطن، لأنه حصن نفسه للحظة مثل هذه، وفي حال تلكأ العميل أو طالب ببعض حقوقه غمز له المقاول: إن أراد أن يكمل بيته فعليه أن يوقع حتى يستطيع المقاول المسكين أن ينهي عمله، وتستمر المعاناة. كل هذا يحدث تحت سمع وبصر الوزارات المعنية والمسؤولة والمواطن تحت رحمة المقاولين، فما يقع في قطاع العقار يقع في قطاع المال، فكما يقع الفرد فريسة للمقاول، أيضا فريسة للمصارف أو أي مؤسسة ضخمة أو كبيرة، فيفرض عليه عقد إذعان، لا يستطيع مناقشته أو مراجعته، بل يوقع دون تردد أو ليخرج إلى الطريق ويذهب لمؤسسة أخرى تقوم بنفس الممارسات، ولذلك يذعن الفرد دون مناقشة أو تردد، فلا خيار له في واقع الأمر، ولذلك لا بد من وضع عقود نموذجية لكل قطاع تلتزم بها جهتا التعاقد، وتراعي مصلحة جانبي التعاقد، ففي القطاع المالي المصرف المركزي هو من يجب أن يضع تلك العقود ويراقب الالتزام بها ولا تترك العملية لاجتهادات موظفين في تلك المؤسسات المهيمنة، خاضعين لسلطة تلك المؤسسة على حساب المستهلك، وبالتنسيق مع وزارة العدل وغرفة التجارة. وفي قطاع العقار فإن وزارة الأعمال والتجارة مسؤولة عن وضع العقود النموذجية لذلك القطاع وبالتنسيق مع وزارة العدل وغرفة التجارة وجمعية المهندسين. ويتم إنشاء جهة مسؤولة محايدة تودع لديها العقود وبرامج العمل وبرامج الدفع، وتفتح لديها حسابات وسيطة يدفع المشتري ما يترتب عليه ويتم التحقق من أن المقاول أتم العمل كما هو مطلوب ثم تصرف الجهة له قيمة المنفذ من العمل حسب الاتفاق. وهكذا فإن المقاول يضمن حقه، لأن الدفعات لدى جهة محايدة ولن يكون هناك تأخير في الدفع في حال قام بالعمل كما هو متفق عليه، والمشتري مطمئن، لأن الأموال لدى جهة محايدة تضمن عدم تخلف المقاول أو تحريف العقود، وهكذا تتم حماية كلا الطرفين، لا تأخير في دفعات، ولا إخلال بالعقود، وهذا سينعش السوق وينقيها من شوائب كثيرة ومخاوف تعطل العمل وتباطؤ الصفقات، حيث يتم تشكيل لجان للنظر في مشاكل كل قطاع ووضع حلول لها. تضم وزارة العدل وعضوية وزارة الأعمال والتجارة وعضوية المصرف المركزي وعضوية غرفة التجارة.