03 نوفمبر 2025

تسجيل

من القاهرة إلى أنقرة: مقاومة "ازدواجية المعايير"

20 فبراير 2011

وصف البعض ظلما وعدوانا ثورة مصر بأنها ثورة الفايسبوك.تماما كما برع الغرب والأمريكيون تحديدا في إطلاق صفات على ثورات وانتفاضات أو تحركات احتجاجية في أكثر من مكان في العالم وآخرها ما سمى بانتفاضة الياسمين في تونس. التونسيون رفضوا التسمية التي لا تليق بانتفاضة شعب بكامله ضد الطغيان. وكما في تونس كذلك في مصر، كان الأمريكيون يمارسون هوايتهم بل احترافهم في سرقة الثورات أو محاولة سرقتها. وبعدما كان نظام حسني مبارك هو أحد أعتى قلاع سياساتهم الشرق أوسطية إذا بالأمريكيين يتفاجأون بالثورة وامتدادها على مدى الوطن المصري فيسارعون إلى إغداق المديح على شباب الثورة داعين إلى تطبيق الديموقراطية كما لو أنهم هم الذين خلعوا الرئيس مبارك وهم الذين يريدون الحريات. لن ينخدع أحد في العالم العربي والإسلامي ،فالولايات المتحدة كانت ولا تزال الراعية الأساسية للأنظمة الدكتاتورية وهي التي أوحت وعبر خبراء إسرائيليين بوقف عمل شبكة الإنترنت في أيام الانتفاضة المصرية وهي التي أملت على إدارة النايل سات لوقف بث قنوات "الجزيرة". الأمثلة كثيرة على خنق الحريات في الغرب نفسه مثل منع قنوات عربية أو إسلامية من البث على الأقمار الصناعية الأوروبية والغربية. نورد هذه الأمثلة للإشارة إلى أن سياسات واشنطن التي كشفتها وثائق ويكيليكس في التدخل في الشؤون الداخلية للدول والكيل بمكيالين لم تتغير بل هي ثابتة للقوة العظمى. من الأمثلة الأخيرة على ذلك أن سفيرا أمريكيا جديدا قد تسلم منصبه في تركيا هو فرنسيس ريكياردوني. بعد لقاءات بروتوكولية مع مسؤولين وتقديم أوراق اعتماد وما شابه لم يتردد السفير الجديد من إطلاق أولى تدخلاته في الشأن الداخلي التركي بالقول إنه لا يفهم ماذا يحصل في تركيا عبر إلقاء القبض على صحافي ومداهمة منزله ومقر التلفزيون الذي يعد لإنشائه وأرسل السفير الجديد نصائحه إلى القادة الأتراك بأن حرية الصحافة هي أساس الديموقراطية. لم يتأخر المسؤولون الأتراك في الرد عليه أولا لجهة أن القضية التي اعتقل فيها الصحافي تتصل بمخطط"المطرقة" للإنقلاب على الحكومة التركية وشارك فيها جنرالات متقاعدون وفئات اجتماعية أخرى من بينهم حتى أساتذة جامعيون صحفيون. ولم يستطع الجيش التركي نفسه الدفاع عن المعتقلين تاركا الأمر للقضاء التركي. لكن السفير ريكياردوني أبى إلا أن يذكّر الأتراك بأن واشنطن مستعدة للدفاع حتى عن متهمين بمحاولة اتباع طرق غير شرعية لتغيير النظام.كما يذكّر السفير بمثل هذه المواقف بأحد أسلافه السابقين في تركيا نفسها والذي كان مضرب مثل في التدخل في الشؤون الداخلية التركية أي السفير السابق اريك اديلمان. ليس الأمر مختصا بالولايات المتحدة فالغرب واحد في مجال ازدواجية المعايير وهم ينظرون إلى "بقية العالم" كما لو أنه مزرعة لهم يصولون ويجولون كما يشاؤون. ألا يعتبر قانون المحرقة في فرنسا ومنع أي تشكيك في حدوثها وسجن المشككين انتهاكا صارخا لحرية الرأي؟خصوصا أنه موضوع تاريخي ويحتمل كل اتجاه؟حتى في موضوع العلمنة أليس منع المحجبات من التوظف في الإدارات العامة وفي المدارس انتهاك للحريات الشخصية قبل أن يكون انتهاكا للحريات الدينية؟. ربما أهم ما انتهت إليه التجرية التركية الجديدة خلال السنوات القليلة الماضية أنها وسعت من مجال سيادة الشعب وحريته في امتلاك إرادته والتعبير عن توجهاته فحلت القضية الفلسطينية أولوية بدلا من العلاقات مع إسرائيل والعلاقات الإستراتيجية مع سوريا وإيران وقطر والسعودية قابلها تحول إسرائيل إلى عامل تهديد في وثيقة الأمن القومي التركي. اليوم تكبر مسؤولية الشعوب العربية للتعبير عن إرادتها وعن رفضها للإملاءات الغربية التي لا تريد سوى استمرار أنظمة الاستبداد والقمع في موقع السلطة وإخراج المجتمعات العربية من هويتها وانتمائها للعروبة وللإسلام.وهذه الشعوب بقدر امتلاكها للحرية والديموقراطية بقدر ما سوف تعود إلى جذورها وتمارس قناعات الانتماء القومية والانسانية التي تفضي حتما إلى مقاومة المشروع الإسرائيلي وفضح ازدواجية المعايير الغربية في تعاملها مع العالم العربي والإسلامي من تونس والقاهرة وصولا إلى أنقرة.