15 سبتمبر 2025
تسجيلفي عالمنا المعولم اليوم ثورتان: ثورة فجرتها وتفجرها شبكات التواصل الاجتماعي، وأخرى توجهها الجماهير الكاظمة الغيظ الصامدة والصابرة والمثابرة، وما لم تتخذ الأنظمة العربية تدابير عاجلة وحاسمة وشاملة للتعاطي مع هاتين الثورتين الجامحتين، ورد المظالم إلى أهلها الصابرين والصامدين، في إجراء تصحيح شامل لأسس المشاركة في الحكم، وإرساء نظام ديمقراطي فاعل، والتمتع بالحريات الأساسية، وبسط العدل والمساواة فإن عاليها سينقلب سافلها.. لقد اندلعت ثورة الجماهير الغاضبة في هبات غير مسبوقة نتيجة حتمية لمظاهر الظلم، والكرب، والكبت، والقحط الاجتماعي والفقر الممنهج، والاستبداد السالب للإرادة الشعبية، واحتمالات توريث الحكم، وبروز طبقة جديدة من سارقي أموال الدولة، وحقوق المسحوقين من العيش الكريم والرفاهية التي اقتصرت ظلالها الوارفة على بطانة وسدنة الأنظمة المنتفعين، وسارقي الأحلام وآمال وأماني وتطلعات الشعوب المكلومة. ??لقد بزغ فجر جديد للتواصل الاجتماعي بشبكاته الأكثر تأثيراً على الشباب وعامة الجماهير بديلاً لأجهزة الإعلام الرسمية المهترئة الفاشلة، وانحسار مركزيتها التي قوضتها مواقع الفيسبوك، والتوتير وحلقات النقاش العامة وغيرها. ??فحتى عهد قريباً ظل الإعلام الرسمي في الحكومات العربية مهيمناً على الساحات والفضاءات على نحو مهين لكرامة الإنسان ومذل لعصر الانفتاح، ومشين لجموح الاتصال الرقمي ووسائله النابضة. ??فالإعلام الرسمي العربي استمرأ التعبير الكاذب عن إرادة الشعوب العربية: ويعمل ضمن آليات واستراتيجيات عفا عليها الزمن: فهو يعمل على تجميل القبيح، ويستهزئ بالأفكار النيرة والآراء الناصعة، وأخمد جذوة المجتمع المدني، واحتوى بعضها طبقاً لموجهات تلك الأنظمة القمعية تحت مسميات مختلفة تستظل جميعها بظلال الأحزاب أحادية الاتجاه، في ظلال ذات ثلاث شعب لا ظليل ولا تغني من لهب الجماهير المتصاعد.. والغاضب. لقد أدت الانتفاضات الشعبية الغاضبة حتى الآن إلى: ??* إزاحة نظام بن علي من سدة الحكم في تونس التي اندلعت منها الشرارة الأولى والملهمة لبقية الجماهير. ??* تمزيق نياط قلوب وأفئدة النظام المصري الذي يحاول بلا جدوى إخماد صوت الشباب المتصاعد إلى الأعالي.. من خلال حجب الإنترنت والهواتف الجوالة، لمنع الفتيان والفتيات من مواصلة هبتهم نحو التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ??* رسالات الغضب التي أرسلتها الجماهير إلى كل العالم أدت - ولو بشكل ضئيل حتى الآن –إلى تغير الإدارة الأمريكية إلى سياستها واستراتيجيتها الداعمة للأنظمة الاستبدادية التي احتضنت نظام بن علي ووفرت له الدعم للبقاء في السلطة سنين عددا.. وساندت الرئيس مبارك سعياً لتنفيذ سياساتها في المنطقة ووفرت الدعم العسكري واللوجستي لنظام الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن بحجة مكافحة الإرهاب، ووفرت الدعم، ورفعت عصا التخويف لحزب المؤتمر الوطني في السودان لتنفيذ سياستها الرامية إلى فصل الجنوب عن الشمال. ??* طوفان البشر الذي اجتاح المدن المصرية عقب صلاة الجمعة.. يؤكد ضمن ما يؤكد أن شريان الاستبداد والتسلط سوف يصاب "بالتجلط" وأن الاستبداد يزول ولا يأتي.. وأن اليمن لم تعد محصنة وأن السودان ليس معصوماً من الهبة الشعبية ولو بعد حين من الدهر.. إنه عصر الشعوب الثائرة والمنتفضة وعصر الميديا النابضة التي يستعصي حجبها، أو منعها، أو حراسة بواباتها.. لأن البوابات قد انهارت.