15 سبتمبر 2025
تسجيلفي 17 من ديسمبر 2010 أضرم الشاب التونسي، محمد البوعزيزي، النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، احتجاجًا على مصادرة شرطية عربته التي كان يبيع عليها الفاكهة والخضراوات، هذه الحادثة كانت شرارة انطلاق ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت خمس دول عربية. البوعزيزي كان المحرك الرئيسي لاندلاع الثورة في تونس، التي أتت نجاحاتها السياسية متمثلة في الحريات وفي انتخابات 2011 التي أفرزت دستور 2014 الذي يعتبر قد نال رضا الشعب التونسي. ونجحت تونس الثورة في كسب معركة الحريات وضمنت بدستورها وقوانينها حريات تمثل نموذجا في المنطقة. كما نالت عبر نقل السلطة بانتخابات نزيهة وشفافة، استحسان المتابعين. هذه النجاحات والإنجازات لم توازيها مع الاسف الشديد نجاحات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي مما دفع بالشباب التونسي في ذكرى ثورة الياسمين للخروج في احتجاجات في مناطق عديدة من البلد تطالب بتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد والاقتصاد الموازي والمحسوبية والجهوية وتهميش المناطق المعزولة. نجحت تونس بعد الثورة في تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية رغم محدودية الإقبال عليها، وقد قبل الشعب التونسي بنتائجها وهو ما حقق للبلاد نوعا من الاستقرار مقارنة ببقية الأقطار العربية في هذه المرحلة من تاريخ الأمة. في المقابل يلاحظ المختصون خيبات أمل كثيرة في أوساط الشباب والفئات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، الذين كانوا وراء المد الثوري الذي أطاح بنظام بن علي لاعتبار أن المطالب الثورية التي رفعت بحناجر شباب الثورة من أجل الحصول على منصب شغل ومعيشة كريمة. وحسب المختصين فإن الأوضاع الاجتماعية لدى الفئات المتوسطة تراجعت فلم تعد هناك طبقة متوسطة كما اتسعت طبقة الفقراء، ومستوى التوظيف تراجع، إذ زاد عدد المعطلين عن العمل، الشيء الذي أدى إلى عزوف الشباب عن العمل السياسي بل العزوف عن المشاركة في الشأن العام عموما، وأعلن المعهد الوطني للإحصاء في تونس، عن نسب البطالة حسب الولايات بالنسبة للثلث الثاني لسنة 2017. واِحتلت ولاية تطاوين المرتبة الأولى من حيث زيادة البطالة بـ 32.4 %، تليها ولاية قفصة بـ 27.3 %، ثم قابس بـ 25.8 %، أما ولاية المنستير، فقد احتلت المرتبة الأخيرة بـ 6.1 %. ومن جهة أخرى فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا حوالي 2506 في الثلث الثاني من سنة 2017 مقابل 259،6 ألف في الثلث الأول لسنة 2017، وبذلك تقدر نسبة البطالة على التوالي بـ%30.3 و%31.2. من أهم التحديات التي واجهتها تونس في فترة ما بعد الثورة وتواجهها إلى حد الساعة هي الملف الاقتصادي، أدى التفاعل بين النخب التونسية والجهات المانحة الدولية إلى توجيه البلاد نحو برنامج إصلاح اقتصادي يدِّعي معالجة آثار انتشار الدولة الاستبدادية — المحسوبية والفساد وعدم الكفاءة — لكنَّه لا يعالج بشكلٍ كافٍ الآثار التي ترتَّبت على اهمالها. وهذا يترك الحكومة التونسية عالقة بين أجندةٍ اقتصادية تُركِّز على تنفيذ تعليمات صندوق النقد الولي ومطالب محلية بالعدالة الاجتماعية. لكن الأهم أنَّه ترك الدولة التونسية غير قادرة، هيكلياً أو سياسياً، على إصلاح تلك المشكلات في اقتصادها التي تسبَّبت فيها سياسة الانقسام والاهمال المتعمد. وهذا ما أدى إلى انتشار ونمو الاقتصاد الموازي انتشاراً مطرداً في السنوات الأخيرة؛ لأنَّ فرص العمل الرسمية لم تكن قادرة على مواكبة زيادة طالبي العمل. ويُنتج هذا الاقتصاد الموازي أكثر من ثلث الناتج المحلي الاجمالي بتونس، إضافةً إلى أنَّه المصدر الرئيسي الذي يوفر فرص العمل للشباب التونسي. في الواقع، يُوظِّف الاقتصاد الموازي نحو 60 % من الرجال العاملين و83 % من النساء العاملات دون سن الأربعين. وفي حين تبرز وظائف الاقتصاد الموازي، بصورةٍ غير متناسبة، في كلٍ من المناطق الجنوبية والداخلية، فإنَّها منتشرة بجميع أنحاء البلاد. وتتخذ هذه الوظائف أشكالاً متنوعة، من الباعة الذين يشغلون جوانب الطرقات أو الأسواق الأسبوعية، ومن مهربي البضائع عبر الحدود مع ليبيا والجزائر، ومقدمي الدروس الخصوصية أو المترجمين، إلى من توظفهم شركاتٌ رسمية دون توقيع عقود عمل. ومع أنَّ العاملين في الاقتصاد الموازي يمتنعون غالباً عن دفع ضرائب الدخل أو الحصول على سجلٍ تجاري، فإنَّهم غالباً أيضاً ما یدفعون رسوماً رسمیة (كرسوم السوق، وهي التكلفة الاجمالية المرتبطة بتسليم البضائع أو الخدمات إلى الزبائن) أو رسوماً غیر رسمیة (كالرشى) إلی وکلاء الدولة. بالنظر إلى هذا السياق، فإنَّه من الغريب ألا يكون هناك في الفترة التي تلت الثورة التونسية سوى جهود ضئيلة تهدف إلى وضع برنامج إصلاحي يساعد أولئك الذين يعملون في القطاع غير الرسمي. لا توجد استراتيجية وطنية متماسكة بشأن هذه المسألة، ومعظم السياسيين غير واعين لما يحدث على نحوٍ مثير للصدمة، ويحصرون هذه المشكلة في التهرب الضريبي. وقد يكون ذلك بسبب عدم وجود حل سريع للمشكلة كما تبيَّن من تجارب بلدانٍ أخرى، فإصلاح الاقتصادات الموازية يتطلب نهجاً متعدد الأبعاد، يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من إصلاحات سوق العمل والضرائب الأوسع نطاقاً. بين يناير 2011 و2018، 7 سنوات انقضت على اندلاع الثورة التونسية، وما بين التاريخين، تتأرجح مشاهد الاحتجاجات والمواجهات العنيفة بمختلف الشوارع والمدن، غير أن القاسم المشترك بين الزمنين؛ يظل استمرار الفقر والبطالة في المناطق الداخلية المعزولة، رغم محاولة الحكومات المتعاقبة تطبيق "التمييز الإيجابي" لصالح هذه المناطق. ويمكن تلخيص أهم ما أخفقت تونس في تحقيقه بعد 7 سنوات من «ثورة الياسمين" الفقر ونقص البرامج التنموية والبطالة وعدم القدرة على محاربة الاقتصاد الموازي. فتونس اليوم تتخبط في أزمة اقتصادية خانقة رغم محاولتها بعد الثورة الخروج منها، إلا أن الوضع تأزم أكثر بسبب الاحتقان السياسي والضربات التي وجهها الإرهاب لقطاعها السياحي، الذي يمثل احدى ركائز اقتصادها، قبل أن ينتعش نسبيا في 2017. كما أن الاحتجاجات أضرت كثيرا بالقطاعات الرئيسية لاقتصاد البلاد، من جهة أخرى يلاحظ المختصون استمرار تفشي الفساد فبعد 7 سنوات، ورغم إعلان الحكومة بقيادة يوسف الشاهد، الحرب على الفساد، إلا أن قناعة راسخة تتملك التونسيين حتى اليوم بأن مشكلة الفساد لم تعالج بطريقة منهجية وعلمية وصارمة.