12 سبتمبر 2025
تسجيلأتلفتُ حولي وأنا أخوض بحر الحياة العرمرم، موقنةً أن الحبَ أساسُ هذا الكون الرحيب، وروحه ونبراسه، أسمع كل يوم عن حب يولد، وأستمع عن آخر يموت، أيموت الحب فعلا؟ أيكون كالإنسان يولد ويشب ويشيخ ثم يموت؟ تختلفُ بدايات الحب جميعها، وتختلف النهايات بشتى أنواعها، المبكية والمفرحة، ولكنه لا اختلاف في الأسس التي يقوم عليها الحب، من إخلاص واهتمام. تحدثني إحدى الفتيات عن زواج لم تستمر مدته غير شهرين فتقول: "لقد قتل الحب في نفسي قبل أن يُولد، لم أر الاهتمام أبدا ونحن في مطلع حياتنا، والذي من المفترض أن يكون الحب في أوَجه، غائب عني طوال اليوم، كان حاضرا معي أم غائبا عني، يبقى غائبا، بجسده أم بفكره، لم أجد من الإهانة ما هو أعظم من أن يُعدم الاهتمام، فلا تواصل ولا وداد، ولا خير في زواج صُورّي، يدوم نجاحه أمام الناس ويُقبر فشله في قلوبنا حتى تحترق القلوب فتموت ونموت بعدها، واخذت تردد بعدها قول الشاعر: "وفي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا". حين سمعتُ قصتها قلتُ في نفسي: "أتكون قد تسرعت في اتخاذ القرار؟" ولكني أيقنت بعدها أنه لا يقتل الحب إلا حينما يُعدم الاهتمام، وأن يموت الاهتمام ممن تحب يعني أن تكون نكرة، وأن تكون نكرة مع من تحب ومع من يعني لك الحياة والأمل، يعني أنك وصلت إلى أبشع مراتب الذل والهوان، وهذا ما لا يرضاه الإنسان الكريم. وحين استمع إلى قصص الحب الجميلة من حولي أجد أنه بقدر الحب حرارةً أو برودة يكون الاهتمام، هي علاقة طردية بين الحب والاهتمام، كلما زاد الحب في فؤادك زاد الاهتمام، زاد اهتمامك، في تفاصيل الأمور ومجملها، في صغائرها وكبائرها، نعم، فقد قيل إن الحبَ اهتمام. تصف إحدى الصديقات فتقول: " يهتم بي لدرجة أشعر فيها أنه أبي وأخي وزوجي وزميلي وحبيبي وكل مسميات الكون، يهتم بأموري في الدنيا وأموري في الآخرة، يوقظني لصلاة الفجر بأعذب الكلمات، يقرأ معي الكهف في كل جمعة، إن غبت عنه ساعة ملأ هاتفي برسائل الشوق والوله، يحرص على طعامي وشرابي وصحتي، لا أخرج من منزلي حتى يتأكد أن لدي من المال ما يكفيني، ثم يضمني ضمة بها حنان الكون بأسره، يودعني بقبلة، ثم أنصرف، لا أصل المكان الذي أريد حتى أتصلَ بي ليطمئن، تضيف: لن أحدثك عن الورود الحمراء التي يشتريها لي وكيف يقدمها لي، طلبتُ منها أن تتوقف عن الوصف، فقد سعدتُ لها حتى دمعت عيني حبا وسعادة لها، فلا أوسع حظا من أن تجد شريكا كشريكها.. يقول البعض إن الحب الحقيقي الذي يكون بلا شروط، هو الحب المطلق الذي لا تحده متطلبات ولا رغبات، لا يزيد بالاهتمام ولا يموت بغيابه، لا يحيا بالإخلاص ولا يموت بالخيانة، يبقى في جميع الظروف ولا يموت مهما تكالبت عليه المواجع. ولكنني أقول: هو حبر على ورق، هو كلام من ذهب لكن لا يطبقه احد، لا يعيش مثل ذلك الحب سوى الملائكة، أما نحن بني البشر فنحتاج إلى الحب الذي يحدوه الاهتمام، والذي يموت دونه، وإن كان الموت بطيئا والاحتضار أليماً. غنى قديما الفنان "طلال مداح" أغنية في غاية الروعة إذ يقول: " احبك لو تكون حاضر.. احبك لو تكون هاجر.. ومهما الهجر يحرقني.. راح امشي معاك للآخر.. احبـك لو تحب غيري.. وتنساني وتبقى بعيد.. عشان قلبي بيتمني.. يشوفك كل لحظه سعيد"، جميلة هذه الكلمات لكنها أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، أدنى إلى الملائكية منها إلى الفطرة البشرية. وإن أردت الحقيقة الجلية فهي أن الحب يرتقي بالاهتمام ويشمخ به وقد يموت تدريجيا دونه.. فأحط من تحب بالاهتمام العظيم، فالاهتمام برهان الحب. اللهم امنحنا قلبا رحيبا.. آمين