14 سبتمبر 2025
تسجيل"أي نفر يشوف ناس من طرف خشم مالهوا... ربي يعاقب هوا" استغرب.. لا بل استحقر هذه النظرة الدونية من قبلنا تجاه الهنود.. فلماذا ننتقص من قيمتهم وهم أعلى شأنا منا؟! ليس لدي إجابة على ذلك. يشارك منتخب الهند في بطولة كأس آسيا لكرة القدم التي تستضيفها الدوحة هذه الأيام، وشهدت مبارياته الثلاث التي خسرها جميعها تفاعلا وحضورا جماهيريا كبيرا، إذ ضربت الجالية الهندية هنا أروع مثل في حب الوطن بالوقوف خلف منتخب بلادها وتشجيعه بحماس كبير وقوة متناهية منذ قبل أن يطلق حكم المباراة صفارته إيذانا ببدء المباراة وحتى بعد أن يطلقها للمرة الأخيرة معلنا عن انتهائها. ولا تنقطع هذه الجماهير ولو لبرهة عن تشجيع لاعبي بلادهم، رغم تواضع مستواهم، ومهما كانت نتيجة المباراة سلبية ضدهم ولا عدد الأهداف المسجلة في مرماهم. لكن العرب لم يرق لهم تواجد الهند في هذه البطولة، وكالوا بلد المليار نسمة ذما وقدحا وعنصرية ونظرة دونية لا حدود لها في وسائل إعلامهم المختلفة، هكذا من دون أي مبرر. اقرأ على سبيل المثال هذا التصريح الذي ورد في صحيفة عربية: "ودع المنتخب السعودي كأول فريق يغادر من كأس آسيا بهزيمتين متتاليتين من سوريا والأردن فحتى المنتخب الهندي لا يزال ينافس على الصعود للدور الثاني". ومناسبة هذا الكلام خروج المنتخب السعودي الشقيق من البطولة بعد أن تعرض للخسارة الثانية على التوالي أمام شقيقه الأردني بهدف نظيف، وكان قد خسر قبلها أمام الأشقاء السوريين بهدفين مقابل هدف أيضا.. ولكن ضعوا خطين تحت فقرة "حتى المنتخب الهندي" في التصريح. لماذا نزج بالهند هنا؟ وما هي المناسبة التي جعلت هذا الصحفي السخيف يربط خروج السعودية بالمنتخب الهندي دون غيره من المنتخبات المشاركة في البطولة؟ عبارة "حتى المنتخب الهندي" تكرر استخدامها على سبيل الاستهزاء كثيرا في وسائل إعلامنا قبل مجالسنا ومنتدياتنا، ولا غرابة في ذلك فوسائل إعلامنا مرآة لمجتمعاتنا ومجتمعاتنا مرآة لإعلامنا. كاتب آخر ينتقد خروج المنتخب السعودي من البطولة الآسيوية بالدوحة. وبعد شرح تفصيلي ممل كتب أيضا ".. وحتى الهند الأضعف في البطولة..".. هكذا من غير مقدمات ينتقص من الهنود. وعلى غراره كتب آخر ".. خيبة المنتخبين السعودي والكويتي اللذين خسرا مرتين تماماً مثل المنتخب الهندي.." فأصبحت الهند كالطوفة الهبيطة لكل من هب ودب. وعندما لم يتمكن المنتخب الإماراتي من تسجيل أي هدف في مباراتيه الأولتين كتبت صحيفة عربية أخرى تقريرا أشارت فيه إلى فشل خط هجوم الأبيض، أي المنتخب الإماراتي كما يحلو لعشاقه أن يطلقوا عليه، بعد جولتين في بطولة أمم آسيا لكرة القدم، في فك عقدة التسجيل، والوصول إلى مرمى المنافس، حيث عجز عن إحراز أي هدف، واحتل المركز الأخير، في ترتيب خطوط هجوم المنتخبات المشاركة في البطولة الآسيوية، حيث تفوقت عليه كافة المنتخبات الأخرى، بما فيها الهند أضعف المشاركين، بعد أن سجل هجومها هدفين". وقناة الجزيرة الرياضية، التي تنتمي إلى شبكة قنوات الجزيرة الفضائية صوت المواطن العربي لم تشذ عن القاعدة، وعندما استضافت سعادة محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي في برنامج "ليالي آسيا" الذي يبث على الهواء مباشرة يوميا ضمن برامجها الخاصة بكأس آسيا منذ يومين تقريبا حشرت الهند في الحوار. وحيث إنها قناة عربية، فمن الطبيعي أن تستهين بمشاركة الهند في البطولة، وتنقل إلى بن همام الانتقادات التي وجهت إلى الاتحاد الآسيوي لمشاركتها في الدورة، علما بأن هذه الانتقادات مصدرها فقط المنطقة العربية، وبشكل أكبر منطقة الخليج. وكم كان بن همام حكيما في رده مشيدا بهذا البلد العظيم عندما أكد قائلا: "الهند هي بلد المليار نسمة ولا يجوز شطبها بهذه البساطة من معادلة الكرة الآسيوية بالرغم من المستوى المتواضع التي ظهرت به، بل على عكس ما يقال وانطلاقاً من قاعدة أن كرة القدم للجميع يجب دفع الهند وحثها على المشاركة وبذل المزيد من المجهود بغية تقديم نتائج أفضل وبالتالي إعطاء كرة القدم فرصة للتوسع والانتشار في هذا البلد الكبير". رسامو الكاريكاتير من جهتهم انضموا إلى قافلة المستهزئين والمستهترين بالشعب الهندي، ولا أبالغ عندما أشير إلى أن صحفنا الخليجية تشهد بشكل شبه يوميا كاريكاتيرا رياضيا يسخر من الهنود.. فعندما نجد رسما كاريكاتيرا يوضح أحد الجماهير العمانية ينظر وهو في المدرجات بحسرة إلى لاعب هندي لا يجيد ركل الكرة فتلك إهانة غير مقبولة، وتكشف عن نظرة دونية وعنصرية تجاه شعب عريق. الشعب الهندي له دور بارز في بناء دول المنطقة وتكاد الحياة لا تقوم هنا من غير دعمهم وعملهم وجهودهم.. تخيلوا حياتنا من غير الهنود أو من غير الوافدين. يقيم في قطر وغيرها من دول الخليج جنسيات متعددة ومن بينهم الهنود وقد تكون هي الجالية الأكبر عندنا، وهذا أمر طبيعي لأن الهند دولة ذات كثافة سكانية كبيرة ويهاجر أبناؤها إلى مختلف دول العالم بحثا عن العيش. ولا يقتصر التواجد الهندي في الدوحة أو دول الخليج على الطبقة العاملة فقط، وتحديدا من الخدم وعمال النظافة والبناء ذوي الأجور الضعيفة، إنما هناك الكثير من الكفاءات والكوادر الهندية تعمل في قطاعات الهندسة والبترول والغاز والصحة والتعليم. والحقيقة أن العلاقات الخليجية والعربية والإسلامية مع الهند هي علاقة وثيقة تعود جذورها إلى سنوات بل عقود طويلة. وكما يقول كاتب هندي إن هذه العلاقات تطورت عبر سنوات طويلة منذ فجر التاريخ ولا يبالغ أحد في القول إن علاقات الهند مع العرب قديمة قدم التاريخ نفسه، وكانت هناك دواع كثيرة تشجع العرب والهنود معا في تحقيق تواصل اكبر بين الثقافتين العربية والهندية. وليس مستغربا أن كثيرا من الأسر العربية المتميزة والنبيلة يلقبون أنفسهم بالهندي ويسمون بناتهم بالهند. مدرب منتخب الهند الإنجليزي بوب هاوتون أعلن بعد انتهاء مشاركة فريقه في البطولة قائلا بكل فخر: "نعود إلى الهند مرفوعي الرأس رغم الخسائر".. وعلى أي فتاة اسمها هند أن تشعر بالفخر لأنها تحمل هذا الاسم. وعلى الذين ينتقصون من قيمة الهنود وينظرون لهم من طرف أنوفهم أن يتعلموا من الرجل الهندي البسيط الذي يأتي إلى دول الخليج معدوما وهو لا يحمل مالا ولا شهادة ولا يجيد اللغة العربية حتى. لكنه يعمل ليل نهار لإعالة أسرته، ثم يعود لبلده بعد سنوات وقد أسس نفسه وأعتمد عليها. قم بزيارة أي صراف أو فرع لـ "فرست يونيون" وراقب صفوف العمال، ومنهم الهنود، الذين يحولون مدخولهم إلى بلادهم.