11 سبتمبر 2025
تسجيلتعد الحقيقة أحد أشكال المعرفة، التي تقود صاحبها إلى وعي شامل، ليفهم المراد مما يدور حوله، دون لبس أو غموض، وفي الوقت نفسه درءاً لأي شبهات يمكن أن تثار حولها، فيكون الباحث عن الحقيقة ملمًا بما يدور حوله، ما يضفي عليه سياجًا من المعرفة، وعمقًا بكل تفاصيلها. وخلال العدوان على غزة، يسعى الاحتلال كعادته دائمًا إلى تشويه الحقيقة، إن لم يكن طمسها، عبر روايات كاذبة ومختلقة، سرعان ما كشفها الرأي العام الغربي، والذي كثيرًا ما تعاطى إيجابًا مع سردية الاحتلال، في أوقات التيه والتشويه والتضليل، فتحول هذا التعاطف إلى تنديد واسع بجرائمه الوحشية في حق الأشقاء بغزة. وإمعانًا في ترويج سردية أحادية، فقد كان هدف الاحتلال منذ بدء العدوان، استهداف الصحفيين، حتى وصل عدد شهدائهم إلى 92 صحفيًا، ما يعني استشهاد صحفي كل يوم تقريبًا. وتجاوز الاحتلال في ذلك بأن جعل عائلات الصحفيين في مرمى نيرانه، وذلك في جرائم تاريخية تعد الأولى من نوعها، إذ لم يحدث أن استشهد هذا العدد من الصحفيين على هذا النحو، ووفق ما تذهب إليه شبكة C.N .N فإن هذا العدد يفوق ما استهدفه الاحتلال في كل مرات جرائمه ضد الصحفيين، وأنه على مدى 23 عامًا فقط - أي منذ انتفاضة الأقصى- بلغ عدد من استهدفهم من الصحفيين قرابة 54 صحفيًا. وبالوقوف على تقرير لمنظمة «اليونسكو» عن حرية التعبير في العالم للعام 2022، نجدها قدرت عدد القتلى من الصحفيين على مستوى العالم بنحو 86 صحفيًا، بعدما كانوا 55 صحفيًا في عام 2021، ما يعني أن ما ارتكبه الاحتلال من استهداف للصحفيين خلال أقل من ثلاثة أشهر، يفوق بكثير ما تعرض له الصحفيون خلال 12 شهرًا. هذا الإمعان في استهداف الصحفيين، لا يعكس سوى نتيجة أساسية، وهى سعي الاحتلال إلى اغتيال الحقيقة، وتعمده في ذلك، حتى لا تطفو على السطح جرائمه، دون أن نغفل أيضًا مساعيه في الحيلولة دون دخول الصحفيين إلى غزة للتغطية، أو تفقد حجم ما تخلفه جرائمه ضد المدنيين، الذين لم يسلموا من عدوانه، كما لم تسلم منه كافة البنى التحتية من مستشفيات ومدارس ودور عبادة، وغيرها. ورغم كل النداءات المتكررة من كافة الجهات المعنية بحقوق الصحفيين، فإن الاحتلال كعادته لا يعبأ بها، بل ويعتبر نفسه متجاوزاً لها، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تفعيل هذه النداءات. وهنا ينبغي الإشارة إلى قرار مجلس أمناء جوائز الصحافة المصرية، وترشيحه للصحفي وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة في غزة، لنيل جائزة حرية الصحافة هذا العام، كرمز لصمود الصحفيين أمام آلة العدوان، وترجمة لما ينبغي أن يكون في حق من سعوا إلى كشف الحقيقة.