10 سبتمبر 2025

تسجيل

العلاقات القطرية - التركية تجربة مميزة في الشرق الأوسط

19 ديسمبر 2019

تمثل العلاقات القطرية -التركية تجربة مميزة في منطقة الشرق الأوسط برمتها، كونها حققت مكاسب معتبرة للجانبين وبلغت مدى كبيرًا في الدفع بعجلة التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي. هذه الديناميكية عززت من قوة البلدين على الصعيدين، الإقليمي والدولي، في الظروف الحساسة التي مرَّت بها المنطقة منذ 2011. وقد عُقدت الدورة الخامسة للجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية في الدوحة، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، برئاسة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وناقش الزعيمان القضايا الإقليمية وكذلك العلاقات الثنائية. وللتذكير، فإن هذه اللجنة تأسست في ديسمبر/كانون الأول 2014. وخلال الاجتماعات الأربعة السابقة للجنة الاستراتيجية العليا، تم توقيع أكثر من 45 اتفاقية في مختلف المجالات. وتجدر الإشارة إلى أن اجتماعات اللجنة كانت تُعقد دائمًا وفقًا للجدول الزمني المتفق عليه، مع وجود وفود مهمة من الجانبين، وعادة ما يتم توقيع اتفاقيات مهمة نتيجة لذلك. ويقع في صميم اجتماعات اللجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية تحفيز التبادلات الاقتصادية. ويحرص الجانبان على تعميق العلاقات الاقتصادية. وتأتي معالجة الأداء الاقتصادي على رأس جدول الأعمال الوطني بالنسبة للجانب التركي، خاصة في أعقاب الاضطرابات المالية الصعبة منذ النصف الثاني من عام 2018 التي تمثلت في مضاربات العملات من قبل مستثمرين خارجيين إلى جانب الضغوط السياسية الأمريكية، بما في ذلك فرض الرسوم الجمركية والعقوبات التي أدت إلى انخفاض كبير في قيمة الليرة التركية، التي فقدت حوالي 35%من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي خلال المدة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وقد اتخذت الحكومة التركية منذ ذلك الحين سلسلة من الإجراءات كان لها أثر إيجابي وترتب عليها عودة الاقتصاد التركي إلى مجراه الطبيعي. كان لقطر دور معتبر خلال أزمة العملة التركية؛ ففي 15 أغسطس/آب 2018، زار صاحب السمو تركيا والتقى بالرئيس أردوغان ووعد بتقديم المساعدة المالية لبلاده. وتعهدت قطر بتقديم مجموعة من المشروعات الاقتصادية والاستثمارات والودائع بقيمة إجمالية قدرها 15 مليار دولار بالإضافة إلى خط ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد التركي. لم تستلم أنقرة سوى جزء من هذه الحزمة، وقد أُشير لاحقًا بعد انعقاد اللجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية الخامسة إلى أن 7 مليارات دولار من الاستثمارات القطرية في طريقها إلى تركيا. ويعد هذا التعاون الاقتصادي إيجابيًّا لكلا الطرفين؛ حيث ارتفعت صادرات تركيا إلى قطر إلى 1.1 مليار دولار في عام 2018 من 650 مليون دولار في العام السابق، وهو ما يمثِّل زيادة سنوية. ومن ناحية أخرى، ارتفعت صادرات قطر إلى تركيا بنسبة 27%، من 264 مليون دولار إلى 335 مليون دولار. وتسهم الشركات التركية في الاقتصاد القطري، وخاصة في مجال البناء والبنية التحتية، حيث يقدر حجم استثمارات هذه الشركات في قطر بحوالي 17 مليار دولار، وتستعد هذه الشركات لتعزيز وجودها تحسبًا لكأس العالم 2022 لكرة القدم. وبالمثل، تعد قطر واحدة من أهم المستثمرين في تركيا، حيث بلغت استثماراتها 22 مليار دولار، وتجاوز حجم التجارة بين البلدين ملياري دولار، حيث تركز الاستثمارات القطرية بشكل خاص على القطاع المصرفي التركي، والطاقة، والتصنيع، والسياحة، والعقارات، والزراعة، بالإضافة إلى الصناعات العسكرية. كما ارتفع عدد السياح القطريين إلى تركيا إلى 970.000 في عام 2018، ومن المتوقع أن يزداد في عام 2019 بنسبة 30%. بشكل عام، يعد الاجتماع الخامس للجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية؛ علامة فارقة أخرى مهمة في العلاقات بين البلدين، حيث إن مسار العلاقة أخذ منحى تصاعديًّا منذ عام 2002. ومن وجهة النظر التركية، كان هذا بسبب عاملين أساسيين: أولًا: الأجندة السياسية لحزب العدالة والتنمية، والذي جاء إلى السلطة من خلال برنامج تحويلي على الصعيدين السياسي والاقتصادي بالإضافة إلى الإصلاحات التي تم إجراؤها على المستوى الوطني. وقد غيَّر حزب العدالة والتنمية رؤيته المتعلقة بالسياسة الخارجية؛ فعلى النقيض من سياسة "التوجه إلى الغرب"، التي تم ترسيخها خلال الحقبة الكمالية، حيث تجاهلت تركيا الشرق الأوسط لعقود من الزمن، سعى حزب العدالة والتنمية إلى إعادة تشكيل سياسته الخارجية وإعادة التوازن إليها، وأسهم التغيير اللاحق في العلاقات المدنية-العسكرية وتحييد التدخل الكبير للجيش في السياسة في إعادة توازن السياسة الخارجية التركية بشكل كبير، وعكس مسار السياسة المتَّبعة سابقًا. ازدادت أهمية الشرق الأوسط في أجندة السياسة الخارجية لتركيا بشكل تصاعدي. وكان من بين أبرز التطورات في هذا السياق: العلاقات القطرية-التركية. حيث تمت الزيارات رفيعة المستوى خلال العقدين الماضيين، وزادت التبادلات الاقتصادية في مجالات مختلفة مثل قطاع الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، كانت مواقف كلتا الدولتين متماثلة في أدوار الوساطة المختلفة التي اضطلعوا بها. مع بدء الانتفاضات العربية في المنطقة من عام 2011 فصاعدًا، سعت كل من تركيا وقطر إلى تحقيق التوازن في المنطقة، في حين أدركت الدولتان أنه من الضروري "القيام بأدوار إقليمية جديدة". نتيجة لذلك، حاولت كلتا الدولتين في المراحل المبكرة تقديم وساطتهما بطرق مختلفة، سواء في البحرين أم ليبيا أم سوريا أم اليمن. ومع ذلك، في معظم الحالات، لم تنجح هذه الجهود بسبب المقاومة الشديدة للتغيير من الأنظمة القائمة. وبالتالي، دعمت كل من تركيا وقطر المطالب الشعبية وفي سوريا، حاول الجانبان التوسط بين النظام والمعارضة دون جدوى. ومع تصاعد العنف في كل هذه المواقع، قدمت كل من تركيا وقطر للسوريين مساعدات سياسية ودبلوماسية وإنسانية ولوجستيكية. فتحت تركيا حدودها للاجئين السوريين، خاصة بعد استخدام الأسلحة الكيماوية، وأطلقت بعد ذلك أنقرة ثلاث عمليات كبرى لتأمين حدودها من الحركات التي تصنفها إرهابية. يرى العديد من المراقبين أن الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وقطر لها مقومات الاستمرار والنمو، فقد طور قادة البلدين تعاونًا قويًّا على أعلى مستوى من عملية صنع القرار في البلدين. وباعتبار أن صاحب السمو والرئيس أردوغان التقيا 26 مرة على مدى 5 سنوات، فإن هذا يكشف عن عمق الرابطة بين الطرفين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجانبين يحتاجان إلى بعضهما البعض، خاصة بالنظر إلى المنعطف الدولي الحالي ذي الانسيابية الكبيرة. فتركيا تواجه العديد من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، وليس أقلها الملف السوري، كما أن الدوحة تواجه أيضًا بيئة معقدة في الخليج. وتطمح القيادة التركية إلى ترسيخ العلاقات الاقتصادية مع الدوحة بشكل أعمق. من المؤكد أن الجانب التركي يتطلع إلى الحصول على جهد استثماري أكثر ديناميكية ومستويات أعلى للتبادل التجاري. مدير مركز البحوث في تي. آر. تي. العالمية