13 سبتمبر 2025

تسجيل

سرُّ امرأة.. رواية تروي عطش الحب وتعيد نبض الحياة

19 ديسمبر 2018

(سرُّ امرأة) عنوانٌ استوقفني كثيراً قبل الإبحار في قراءة مضامينه، والتلذُّذ بشعرية ألفاظه، ورهافة عباراته، وفخامة أسراره الفنيَّة المفعمة بالحب والجمال. راودتني أسئلةٌ كثيرةٌ، ما هو هذا السرُّ؟ ومنْ صاحبتُه؟ هل هي بطلة الرواية (مها)؟ أم هي امرأةٌ أخرى؟ أم هي كلُّ امرأة؟؟؟ ولكن كيف لي أن أُميِّز بين سرِّ امرأة وأخرى إذا كانت المرأة ـ عموماً ـ السرَّ الكبير لهذا الكون، فمنها يبدأ، وفيها يتجلَّى، وعندها ينتهي. إنَّها سرُّ توازنه، ورمز خلوده، فهي الأمُّ والأخت والحبيبة والزَّوجة والبنت، هي المربِّية والعالمة والمبدعة وصاحبة العطاء اللا محدود. ألا تكفي كلُّ هذه الصفات لتجعل منها سرَّاً عظيماً يشعُّ بالجمال والبهاء والحب والتألُّق والخلود؟ كلُّ هذه المشاعر والأفكار والتَّساؤلات داهمتني ولم ألج إلى طيَّات الرواية بعد، فكيف هي حالي عند الغوص في فحواها والتمعُّن في قضاياها وأفكارها، وطرق طرحها ومعالجتها من قِبل كاتبتها؟ لقد اجتاحني الشَّوق للبدء بقراءة الرواية، ومع وقوفي على عتبة هذا النصّ الفنيِّ تلاشت كلُّ التَّساؤلات وعلامات الاستفهام التي ارتسمت في مخيِّلتي؛ إذ بدأتُ ودون وعي أقلِّب صفحاتها الواحدة تلو الأخرى في رحلةٍ ممتعةٍ مع بطلة الرواية (مها) التي جسَّدت صورة المرأة بكلِّ تفاصيلها الجسديَّة والروحيَّة، الماديَّة والمعنويَّة. (مها) تلك الأنثى التي كان لاسمها نصيبٌ من جمالها وألقها وسحرها، وقد تمكَّنت الكاتبة من رسم شخصيَّتها بدءاً بطفولتها، مروراً بشبابها، وانتهاءً بنضجها وأمومتها، وإلقاء الضَّوء على علاقتها بمحيطها؛ لتعكس الجانب الروحيَّ الذي بدا مضطرباً ومتناقضاً بمشاعره وأحاسيسه، فمشاعر الحبُّ والحنان والدفء تجسَّدت في صورة الوالد والعمَّة (نورة) والجدَّين، وفيما بعد بصورة الحبيب المعشوق الأديب (منصور)، في حين تجلَّت أحاسيس الفقد والحرمان والضَّياع في صورة الوالدة والزَّوج (نوَّاف). وعلى الرَّغم من حضور البديل دائماً وأبداً إلا أنَّ طبيعة روحها الإنسانيَّة والفطريَّة كانت تأباه رغم علاقتها الطيِّبة به، فحضنُ العمَّة (نورة) واهتمام الجدَّين بها لم ينسياها حضن الأمِّ المُفترض وجوده، وصورةُ الحبيب المتمثِّلة في الكاتب (منصور) لم تغنها عن صورة الزوج المُفترض وجوده كحبيبٍ وعاشقٍ لها. إنَّ الكواري نجحت في طرح مجموعة من القضايا الاجتماعية وعالجتها بطريقة ذكيَّةٍ تنمُّ عن وعيها الفكريِّ المنفتح، ومقدرتها اللغويَّة والأسلوبيَّة. إلا إنَّ السرَّ الجماليَّ للرواية لم يتأتَ من نوعيَّة القضايا المطروحة في طيَّاتها فقط، على الرَّغم من أهميَّتها والجرأة في التَّطرُّق إليها، لا سيَّما قضيَّة العلاقات الرومانسية في إطار (العلاقات الزوجية) داخل المجتمع القطري المقيَّد بالعادات والتَّقاليد إلى حدٍّ كبيرٍ. بل إنَّ جماليَّة الرواية وفنيَّتها انبثقتا من قدرة الكاتبة على توظيف تلك القضايا وآثارها في رسم صورة البطلة (مها) وعلاقتها بباقي شخصيَّات الرواية في أزمنةٍ وأمكنةٍ متعدِّدة تعدُّدِ تجاربها، وعليه فإذا كانت القضايا سبباً فإنَّ حياة البطلة بمنعطفاتها وتعرجاتها وما أفرزته من آثار على سلوكها ومشاعرها هي النتيجة. إضافةً إلى اللغة التي تمكَّنت الكاتبة من استخدامها بما يتوافق مع فصول الرواية بأزمنتها وأمكنتها وشخوصها، إذ أخذت حركةً تصاعديَّةً، فجاءت في بداية الرواية بسيطةً هادئةً، لتتصاعد شيئاً فشيئاً وتبلغ ذروة شاعريَّتها وفنيَّتها في الجزء الأخير من الرواية. إنَّ الرواية لوحةٌ فنيَّةٌ امتزج فيها الضَّوء بالعتمة، والماضي بالحاضر، المشاعر الايجابيَّة بالسلبيَّة، فكان التَّضاد أحد أسرارها الجماليَّة والفنيَّة. فالحرمان من رعاية الأمِّ وحضنها الدافئ، وبرودة مشاعر الزوج لعبا دوراً هامَّاً في تعميق الصراع الداخليِّ للبطلة (مها) التي بقيت هائمةً تبحث عن سرِّها المفقود المتمثِّل في (الحبِّ)، في محاولةٍ للخلاص وإعادة التَّوازن إلى روحها الممزَّقة بعد أن عصفت بها رياحُ الفقد والألم والمرض. أخيراً، تشرق شمس الحبِّ في حياة (مها) متمثِّلةً في صورة الحبيب (منصور) الذي شرب من كأس الحرمان نفسه، فالتقت أرواحهما لتكمِّل إحداهما الأخرى في صورة جدليةٍ صهرتهما معاً فبدتا كروحٍ واحدةٍ تنثر عبير مشاعرها على جسديهما العطشين إلى الدفء والحنان. لقد وجدت (مها) سرَّها الضائع، أو لنقل نصفها الثاني الذي أضفى وجودُه الدفء والحب والإشراق على حياتها، ولأنَّ الحياة مليئةٌ بالصِّراع والتناقض ـ فلا تأخذ إلا لتعطي، ولا تعطي إلا لتأخذ ـ تضطَّر البطلة إلى التخلِّي عن توأم روحها مجدَّداً بعد أن اصطدمت بتعاليم الدِّين الإسلامي والعادات والتقاليد التي تُحرِّم عليها مثل هذا الحب؛ لتحيا صراع الفقد والألم والحزن من جديد بمرارة أقسى وفجيعة أشد.شاعرية العمل نسجت الكاتبة منى الكواري بألفاظها وعبارتها المشبعة بالحبِّ والدفء والكثير من الشَّاعرية والرومانسية تارةً، والمغلَّفة بالأسى والحزن ولوعة الفقد تارةً أخرى روايتها (سر امرأة) في محاولةٍ للبوح بما يكتنفُ النفس الإنسانيَّة من مشاعر وأحاسيس. لقد أرادت القول: ( هناك قلوبٌ ما زالت تنتظر مطر الحُبِّ ليروي عطشها، ويعيد نبض الحياة إليها ).