19 سبتمبر 2025
تسجيلقد تمر بالمسلمين أوقات ولحظات، ينتابهم كمٌ هائل من الإحباط، وشبه يأس من واقع يعيشونه لا يتغير ويتبدل. ولكن مع كل ذلك الشعور السلبي العميق، تتغير الوقائع ومجريات الأحداث، لتنقلب الأمور من حال إلى حال. فهكذا هي طبيعة الحياة الدنيا. وخذ على ما نقول بعض الأمثلة. بلغ اليأس بأصحاب الكهف من أن يتغير واقع قريتهم المشركة بالله، فقرروا مغادرتها والهجرة بدينهم، قبل أن يجرفهم تيار الشرك والكفر. فأماتهم الله في كهف اللجوء أكثر من ثلاثة قرون، ثم بعثهم في آية كونية، ليجدوا واقعاً غير الذي تركوه، بل وجدوه كما كانوا يرغبونه. الواقع تغير، وإن طال الزمن، فهذه هي الحقيقة الدنيوية التي لا يريد كثيرون استيعابها. تآمر يهود بني النضير مع مشركي الجزيرة العربية على دولة الإسلام الفتية يوم الأحزاب، فكانت أياماً عصيبة مزلزلة، وصف القرآن بعض مشاهدها، وكانت يومها مشاعر الصحابة، مزيجاً من الخوف واليأس وانتظار النهاية المؤكدة في أي وقت، رغم وجود الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بينهم. إذ مهما يكن الأمر، فقد كان الصحابة بشراً، أصحاب مشاعر وأحاسيس بشرية طبيعية. لكن الحقيقة الدنيوية تجسدت على أرض الواقع، وأنه لا خلود لشيء، بل الأشياء كلها في تغير مستمر، فتأتي الرياح والعواصف لتغير حسابات الأحزاب وتنهزم، لتبدأ دولة الإسلام بعدها بالنهوض وعدم التوقف إلى أن يشاء الله. اكتساح المغول للعالم الإسلامي، وفظائع القتل والحرق وإهلاك للحرث والنسل، أدت بالناس إلى الاستسلام للقدر، وانتظار الموت على يد المغول بالطريقة التي يشاء هولاكو وجنده ! فقد كانت فكرة أن يتغير الوضع أو أن يصيب المغول قارعة أو مصيبة توقفهم، بعيدة كل البعد حتى عن الخيال حينها.. لكن تأتي الحقيقة الدنيوية مرة أخرى، فتتغير الأحوال وينكسر المغول أمام قطز والموحدين بالله، ليبدأ المسلمون هناك دورة حياة جديدة. كمية الإحباط واليأس التي بالنفوس منذ أحداث حلب الأخيرة، تكاد تُنسينا حقائق التاريخ وحقائق الحياة.. لكن "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون" المشاعر واحدة بين الفريقين، ولكن الفرق كما في بقية الآية "وترجون من الله ما لا يرجون". هذا هو الفرق بين الموحدين بالله والظلمة والمجرمين. فهل نتأمل ؟