12 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب ومكافحة الإرهاب

19 ديسمبر 2015

تعتبر ظاهرة الإرهاب ظاهرة معقدة ومتشابكة لا يمكن فهمها بمعزل عن البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نشأت فيها الجماعات الإرهابية، لذلك فلابد من تشجيع البحوث والدراسات المرتبطة بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية والإعلامية للظاهرة. إن محاربة ظاهرة الإرهاب في العالم العربي تستوجب فهم طبيعة التحولات الكبرى التي تحدث إقليميا ودوليا، وكذلك تطور أنماط وأساليب التفكير والسلوك الاجتماعي وحاجة المجتمع خاصة فئة الشباب إلى العيش الكريم والاستفادة من فرص التطور والتقدم والرقي بكل عدالة وديمقراطية.يمكن للجمعيات الأهلية أو ما يسمى بالمجتمع المدني أن تلعب دورا كبيرا في محاربة الأفكار والممارسات الإرهابية لأنها الأقدر على فهم وخدمة المجتمع ولأنها في تفاعل مباشر ومستمر مع أفراده. إن محاربة الإرهاب هي مسؤولية الجميع ابتداء من الفرد والأسرة والمدرسة والمسجد والجامعة والنوادي الرياضية والثقافية والمجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام. يرتبط ظهور وانتشار ظاهرة الإرهاب في العالم العربي ارتباطا وثيقا بطبيعة البنيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة. وعليه، فإن تحديد مفهوم وطبيعة ظاهرة الإرهاب يستلزم فهم البيئة المحيطة بظهوره وتطوره. فالإرهاب لا يأتي من العدم بل يرتبط دائما بالأسباب التاريخية وطبيعة الأنظمة السياسية القائمة وخصوصية المجتمع، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها غالبية الشعوب العربية. كما ترتبط إستراتيجيات الدول العربية في محاربتها لظاهرة الإرهاب بطبيعة الإيديولوجيات والقيم السياسية التي تحكمها. وعليه، تتبنى الدول العربية إستراتيجيات متباينة ومتعددة في محاربتها للإرهاب تبعا لمصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية الضيقة. فالإستراتيجيات كانت مبتورة وليست شاملة، ركزت على بعض أسباب الإرهاب وتجاهلت الأسباب الحقيقية للإرهاب. إن ظاهرة الإرهاب في العالم العربي هي ظاهرة جديدة ودخيلة على القيم الحضارية العربية والإسلامية. وعليه، فإن كل إستراتيجيات محاربة الإرهاب لابد وأن تركز على توظيف قيم الحوار، والتضامن، والتفاهم، والوئام المدني، وقيم التسامح التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف. لا يمكن فصل ظاهرة الإرهاب في عصر ثورة المعلومات عن وسائل الاتصال الجماهيري، خصوصا وأن الإرهابيين يسعون دائما إلى التأثير المباشر على الرأي العام المحلي والدولي لكسب تأييد الطبقات المحرومة والمهمشة والحصول على تعاطفها ومساندتها، كما تسعى وسائل الاتصال الجماهيري من جانبها لتحقيق السبق الإعلامي من خلال نشرها لأخبار وبيانات الجماعات الإرهابية.. وعليه، تقع على وسائل الإعلام العربية مسؤولية اجتماعية عظيمة في تعاملها مع هذا الملف الحساس أساسها حماية المصلحة العامة.ما يعني ضرورة تغطية ومعالجة وسائل الإعلام الجماهيرية لقضية الإرهاب من منطلق خدمة المصلحة الوطنية والعامة. كما يمكن توظيفها وبشكل أوسع في مختلف إستراتيجيات محاربة الأفكار والعمليات الإرهابية، وكذلك توعية الرأي العام والشعب بصفة عامة بخطورة الإرهاب والتطرف. لوسائل الإعلام الجماهيري قدرة كبيرة على مخاطبة وإقناع الجمهور والتأثير فيه، ولا يمكن أن نتصور نجاح أي إستراتيجية عربية لمحاربة ظاهرة الإرهاب من دون توظيف وسائل الإعلام الجماهيرية؛ لهذا فلابد من أن تعمل وسائل الإعلام العربية وفق خطة عمل دقيقة لنشر قيم السلم والوئام المدنيين وجعل الجمهور يرفض الأفكار الإرهابية. باستطاعة الدول العربية القضاء على الإرهاب من خلال توفير بيئة ديمقراطية تؤمن بالحريات الفردية وحرية التعبير والرأي وحرية الصحافة وثقافة التناوب على السلطة والشفافية والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات.فاحترام الرأي العام وإشراكه في الممارسة السياسية وصناعة القرار يشجعه ويحفزه على الدفاع عن المصلحة العامة للمجتمع وتطهيره من الأفكار المتطرفة الدخيلة على الدين الإسلامي الحنيف وعلى قيم المجتمع وتقاليده وثقافة الوئام والتلاحم والتكافل الاجتماعي. إن توحيد الجهود العربية في مختلف المجالات والميادين والقطاعات والقيام بالإصلاحات الأساسية التي تضمن العدالة الاجتماعية وفرص العمل وتحترم حقوق المواطن العربي هي الكفيلة لمحاربة بل وتجفيف منابع الإرهاب. معظم الإستراتيجيات العربية لمكافحة ظاهرة الإرهاب تركز وبالدرجة الأولى على الإستراتيجية الأمنية، وبالرغم من ضرورتها وأهميتها، إلا أنها على المدى البعيد لا تكفي وغير قادرة على الاستجابة لمستلزمات المرحلة والتحديات التي تفرضها هذه الظاهرة. إن الإستراتيجية الشاملة التي تكفل تنمية شاملة ومستدامة وتحقق آمال وطموحات الشباب هي الكفيلة بتحقيق نتائج إيجابية. في عصر الفضائيات وتكنولوجيا الإنترنت وثورة المعلومات لابد من وضع إستراتيجية إعلامية عربية موحدة لمحاربة ظاهرة الإرهاب، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال توحيد التشريعات ومواثيق الشرف الخاصة بهذه الظاهرة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية فالمؤسسات الإعلامية في العالم العربي بحاجة إلى وضع إستراتيجية دائمة ومستمرة وليست حسب المناسبات والظروف للتعامل مع الإرهاب ومع الأزمات. فمحاربة الإرهاب إعلامياً لا تعني تغطية العمليات الإرهابية ثم التوقف بعد انتهاء هذه العمليات وإنما يجب محاربة الإرهاب وفق إستراتيجية إعلامية متكاملة تشمل الأفلام والمسلسلات والدراما والمسرحيات والتحقيقات والمحاضرات والندوات والحوارات والنقاشات حتى يفهم المواطن العربي الظاهرة جيداً ويقتنع بخطورتها، وبذلك يساهم في محاربتها والقضاء عليها.