21 سبتمبر 2025

تسجيل

المبادرة الروسية-العراقية لإنقاذ الديار أم لإنعاش بشار؟

19 ديسمبر 2011

لا شك أن المبادرة الروسية وقبلها المبادرة العراقية اللتين أطلتا مؤخراً على المشهد السوري الحزين وليله الطويل لم تأتيا عبثا بل حطتا بسرعة لتبديل تقاسم الأدوار في حلبة الصراع بين الشعب المقهور وحاكمه الموتور المغرور، وخاصة بعد أن أوصل الجامعة العربية ومبادرتها إلى طريق مسدود ولم يلاحظ رئيس الدورة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني كما صرح – أي بصيص من الأمل طيلة هذه المهل بل كان النظام يصعد ويوتر الأحداث أكثر وأكبر بما يسميه زئير الأسود لا سجع الحمام مع الشعب المتطلع للحرية والذي تسعى الجامعة إلى مساعدته ولكنها لم تفلح البتة ومنحت الطغاة مهلا فمهلا سقط فيها أكثر من ألف ومائتي شهيد تدليلا لهم واستجابة سياسية لحلفائهم كإيران وحزب الله والجزائر وروسيا والصين وطمأنة – ربما غير مقصودة لإسرائيل التي تعتبر بقاء بشار الأسد مصلحة مهمة لها، وإلى هذا الحد يتم استرخاص الدم السوري قتلا وهلاكا تحت التعذيب و.. عسى هذا القمع السادي الذي يتسلى به النظام يجبر الثورة المجيدة على التوقف ولكن هيهات هيهات إن دون ذلك خرط القتاد ومع كل هذه المجازر المروعة وانتهاك الحرمات يصر بشار على عدم مسؤوليته عن قتل المتظاهرين العزل بالآلاف وبمئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين الذين يسامون سوء العذاب كما أوضحت منظمة هيومن رايتس ووتش بعد لقاء عدد كبير من المنشقين أقول: ولو سمح لمراقبيها أو غيرهم حتى من حلفاء سورية فسيجدون الأدهى والأمر فمن المسؤول عن هذه الفظائع التي تتفاقم أكثر وأكثر دون رادع من دين أو خلق أو ضمير مما لم نجده حتى في الجاهلية الأولى التي عقد فيها حلف الفضول بدار عبدالله بن جدعان لإنصاف المظلومين وحضره الرسول صلى الله عليه وسلم قبل عشرين عاما من نبوته. وما يزال بشار في حالة إنكار للأزمة رغم القتل الجنوني بل إنه يعتبر أن الشعب هو نفسه الذي يمر بحالة الإنكار هذه، وعليه فإنه يرفض أية محاسبة له، وهو بهذا يقر حقيقة بأنه المسؤول الأول عن إزهاق الأرواح وعدم حماية المدنيين وممتلكاتهم بل معتبرا موقفه مشابها لموقف شمشون الجبار الذي اختار أن يهدم المعبد فوقه ليميت أعداءه معه مقترفا جرائم ضد الإنسانية ناسيا أن من سل سيف البغي قتل به كما قال علي، أو كما قال الشاعر جميل الزهاوي: وكل حكومة بالسيف تقضي فإن أمامها يوما عصيبا يا لذكائه المفرط رغم طغيانه المجنون، إنه غير مسؤول وكأنه سائح متجول في ربوع الشام وليس قائدا أعلى للقوات المسلحة والأمن وهو الذي رفض مناشدة الأمم المتحدة سحب الجيش وآلياته الثقيلة من الساحات، مدعيا أن الحالة تقتضي ذلك ونحن نقول إنه وأباه من دون آلة القتل لا يمكنهما أن يحكما الشام المبارك أسبوعا واحدا! ألم يكن هو نفسه الذي قام بتشكيل الحكومة الجديدة وأخذ يعطيهم الدروس التعليمية فكيف يلصق الجرائم الوحشية بها وحدها متنصلا من مسؤولياته؟ أليس هو الذي كذب عشرات المرات على الأتراك حتى فشلت مبادرتهم بسببه، أليس هو الذي كذب على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنه سيسحب الجيش ويوقف العنف بعد يوم من طلب كي مون ثم أخلف وعده، وكذلك حتى مع حلفائه الإيرانيين والروس والصينيين فمن يا ترى سوف يصدقه ومن سيقتنع أنه يمكن أن يفلت من المحاسبة سيما أننا شهدنا في الأسبوع الفائت محاكمة رئيس الكيان الصهيوني السابق كاتساب بالسجن سبع سنوات لإدانته بالاغتصاب والتحرش الجنسي عندما كان وزيرا، فرئيسا، فكيف بمن يغتصب سورية بكاملها وكذلك الحكم على الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بالسجن عامين لاختلاسه المال عندما كان وزيرا، ولم يمنع التقادم الحكم عليهما فلابد للعدل أن يأخذ مجراه ومع ذلك يسخر حكامنا من مثل هؤلاء بل يريد المعلم أن يمحو أوروبا من الخريطة ويقول: إننا ننشئ ديمقراطية سوف تضاهي ديمقراطيات العالم ولكننا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا في هذا الزمن اللامعقول بل طلعت حكومة بشار قبل أشهر بمبادرة تريد من خلالها أن تنشر الديمقراطية في العالم العربي، فكيف وفاقد الشيء لا يعطيه! إن محاولة بشار أن يلعب بالعقول وكأنه منشق عمن يقومون بالجرائم ليحاكي فعلة والده عقب أحداث حماه 1982 بأخيه رفعت سياسة صبيانية لن تنفعه اليوم فقد تبدل الزمان وتجذرت الثورة ولم يعد إصلاح الشرخ الطائفي والاجتماعي اللذين تسبب بهما نافعا، وكذلك فإن شبه الإجماع العربي والإقليمي والدولي نضج وبات التخلص منه ضروريا حفظا للأمن في العالم مهما تشبث بالسلطة وأعانه آخرون لا يقلون إجراما عنه فمن يكون مع القاتل فإنه مثله ويحشر المرء مع من أحب، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الضباط الكبار ومعظمهم من أقارب الرئيس – وآخرون مجرمون معهم لا يمكن أن يتحركوا بأوامر القتل والقمع إلا بمعرفته فهو الأول كما كان أبوه وشهد بذلك جميع المقربين منه. هذا وقد جاء في خبر عاجل على قناة أورينت أن وزير الخارجية القطري أفاد بالتوقيع على المبادرة العربية من قبل بشار قريبا، فإن ثبت الخبر فإنه ربما يكون إتمام لفبركة أجراها مع الروس الذين طرحوا المبادرة الجديدة قبل أيام وفيها تبني مطالب الجامعة العربية كنوع من التكتيك لإنقاذ بشار ونظامه وكي يكسب الوقت ويراوغ عساه ينهي الاحتجاجات ومعروف أن ساسة متمرسين ردوا على المبادرة الروسية بأنها غير متوازنة وأن قلبها أجوف وإن قبل منها بعض الشيء، ذلك لأن الحقائق والوقائع والقرائن أثبتت وتثبت أن روسيا ليست مخلصة للثورة والشعب الحر الأبي ولأن المبادرة خالفت المنطق تماما عندما طلبت وقف العنف من طرفي الحكومة والمعارضة ملبسة على العالم وكأنه غبي – أن طرف الثوار والمعارضة يعادل طرف الحكومة ولعمري إن هذا لهو الجور بعينه إذ إن الطرف السلمي لا يعادل فيما قد يرد به على الطرف الحكومي المهاجم المقتحم المدمر للبلاد والعباد واحدا في المائة حين يضطر للدفاع عن نفسه أو حرماته وخاصة النساء وكذلك مدافعة الجيش الحر عن المتظاهرين فهي جد ضئيلة بالمقارنة مع طغيان النظام فلا تكافؤ أصلا ولكن الروس غير منطقيين وظلمة، وما عرفت عنهم نصرتهم للشعوب أمام الحكام وخاصة من يطالب بالحرية وقد قرأنا أنه كيف كان الروس يقتلون المسلمين بالملايين بعد نجاح الثورة الماركسية وكانوا يستميلونهم ويثيرونهم ضد الحكم القيصري ثم قلبوا لهم ظهر المجن وأبادوهم بجيشهم الأحمر، وكذلك الصينيون الذين استعانوا بالروس لإخماد ثورة المسلمين وقتلوا وذبحوا وهجروا، ومازالوا يضيقون على المسلمين ولو خف الأمر قليلا مؤخراً، ولكن الحقيقة تثبت أن الروس والصينيين لا يقفون إلا إلى جانب الديكتاتوريين الذين يحققون لهم مصالحهم ويلعبون دوما لإبقاء مصالحهم مع أي حكم جديد وكم لعبوا في ذلك بالاتفاق مع الغرب من وراء الكواليس ليس وهم لا يعدمون أن يلتقوا بكل رجل مؤثر ليقنعوه كما حصل مع العلامة القرضاوي حين قابله السفير الروسي في قطر ورفض الشيخ موقف روسيا من النظام السوري كما أن لافروف وزير خارجيتهم دافع عن الانتخابات المزورة التي نجح فيها بوتين الأسبوع الماضي ولا تزال المظاهرات مستمرة ضده بعشرات الألوف وقد تدنت شعبيته إلى أدنى مستوى ومع ذلك أخذ يدين مواقف الغرب لأساليب تعاطيها مع الملف السوري، وهكذا النفاق وليس غريبا أن مواقف الروس والصينيين إنما ترمي لحماية أمن إسرائيل فهو خط أحمر عندهم ولقد كان حافظ الأسد والآن ابنه خير حافظين لإسرائيل وبمعونة الروس. أما المبادرة العراقية فليس لها قيمة تذكر اليوم لأنها تسير بتوجيهات المالكي الشيعي المؤتمر بأمر إيران وبطاعة خامنئي نفسه وإلا فإن المالكي كان عدوا لبشار وأكد مسؤولية سورية عن التفجيرات الرهيبة السابقة ولكنه اليوم معه بإمرة ولاية الفقيه وصرح بأن العلويين فرع من الشيعة ولذا فنحن لا نود إسقاط بشار وقد طلب من أوباما في واشنطن عدم التدخل الخارجي لإزاحته فقال أوباما وأنت لولا التدخل الخارجي ما كنت معي اليوم، وهكذا قس موقف حسن نصر الله الذي لم تهمه دماء السوريين وإنما الوقوف مع الجلاد ولابد أن الثورة باعتمادها على الله والشعب ستنتصر إن شاء الله. [email protected]