16 سبتمبر 2025

تسجيل

الحداد النفسي

19 نوفمبر 2014

لا أقصد هنا الحداد بالمعنى الاجتماعي، وإنما الحداد بالمفهوم النفسي، وهو الآلام التي نشعر بها عند الفقد، سواء تلك المشاعر الناجمة عن فقدان قريب أو عزيز بالوفاة، أو فقدان شيء مهم كالعمل والمال بحيث يصعب تعويضه. وحتى أستطيع توضيح معنى الحداد بالمفهوم النفسي فلا بد أن أسأل نفسي أولا، ماهي الشخصيات التي تتأثر أكثر بمصيبة الموت، أو الفقد لأي شيء آخر كما أسلفنا؟وما هي المهارات التي يجب أن أتدرب عليها قبل الفقد، حتى أكون محصنا ضد الحداد النفسي وتبعاته النفسية؟ إن معرفة الشخصيات الأكثر تأثرا بالفقد تفيد أذا كنت أنا من أصحاب هذه الشخصيات، وذلك كي أحاول تعديل شخصيتي قبل الفقد، لأن الحياة قائمة على مفهوم الفقد، فالأصل هو الفقد ومركب الحياة قام على الفناء لا على البقاء، ولا بد أن أفقد في حياتي الكثير من الأشياء العزيزة على قلبي، وبالتالي كان لزاما أن أتدرب على الفقد قبل وقوعه. هناك الشخصيات التي فيها نجد فيها الملامح الاكتائبية، ونكهتها الكآبة، فهي تتلذذ بالكآبة وتتنفسها، ورغم أنها قد لا تحب الاكتئاب بعينه لكنها تعيش بهذه الطريقة، ولا تعرف طريقة سواها، وهذه الشخصية تعاني من الاكتئابية في التفكير، وهي عرضة للإصابة بالاكتئاب أكثر من غيرها عند حدوث الفقد. هناك من الشخصيات التي تتأثر أكتر في الفقد، الشخصية القلقلة، وهي التي تتوجس خوفا في طبيعتها قبل الفقد أصلا، وموضوع الفقدان حاضر في وجدانها، فهي أكثر عرضة للآلام النفسية عندما تفقد أحدا أو شيئا معينا. هناك من الشخصيات التي نجد فيها مركب الغضب، فهي قابلة للغضب قبل حدوث الفقدان، ومع الفقد تكون أكثر غضبا وحنقا، ولا تستطيع التعامل مع الموقف بحيادية.وهنا إذا لمسنا أي شيء من سمات هذه الشخصيات في أنفسنا فلابد أن نعمل عليه، ونتدرب على تطوير المهارات التي تجنبنا هذه الآلام.هناك من الشخصيات التي تفقد الشعور بالانتماء في الأساس، فهي قليلا ما تشعر بالانتماء لشيء معين، وإذا فقدت شخصا عزيزا كانت تشعر بأنها تنتمي إليه وتتكامل معه، تكون ردة الفعل عنده أكبر من غيرها من الشخصيات، لأنها تشعر بأنها فقدت كل شيء تقريبا.هناك من الشخصيات التي تعرضت لخبرة ضاغطة وعانت من بعض الضغوط والمشكلات في حياتها، والحقيقة أن هذه الضغوط جعلت بعض تلك الشخصيات قوية ومتينة وأكثر صلابة في مواجهة المشاكل، في حين جعلت بعض الشخصيات تصبح متوترة أكثر وهنا يجب أن أدربها على التعامل مع الضغوط والمشكلات حتى أصنع منها مثل الشخصية الأولى التي تتحمل الضغوط بمرونة أكبر. نجد أيضا من الشخصيات التي لا تتسم بالمرونة وليس عندها مرونة على الإطلاق في التعامل مع متغيرات الحياة، وفي حالة الفقد تشعر هذه الشخصية أنها غير قادرة على الاحتمال، وأنها تعجز عن المواصلة. الشخصية الطفولية، وهي التي ترى كل شيء يقوم على المتعة، وليس عنده قاعدة من قواعد الحياة، فهو مثل الأطفال تماما، ينكسر عند أول مصيبة ولا يستطيع التعامل معها، وتتأثر هذه الشخصية تأثرا بالغا نظرا لما ينقصها من مهارات حياتية وخبرة في التعامل مع الواقع مهما تقدمت في العمر.وهنا لابد أن أنوه إلى أن الحداد لا يعني محو الماضي من حياتي، وإنما محو المشاعر السلبية المصاحبة لهذا الماضي، وأن أحاول التعايش معه كجزء من حياتي، وأن أدرك الأمر الآخر في التعامل مع الفقد، بأن أتعامل بإيجابية مع هذه المشاعر وأوظفها مع في المستقبل بما يخدمني، وأن أجعل العيوب تتحول إلى مزايا، ولا أقف عند ذلك الحد.إذا كان لابد من أن أتعلم المهارات قبل وقوع مصيبة الفقد، ولكن في حالة وقوعها فهناك بعض الخطوات التي يجب أن أقوم بها والتي من شأنها أن تخفف حجم الفقد عندي وهي:يجب أن أعترف بأن عندي مشاعر حزن ورثاء، وحتى إذا كنت رجلا لا ألتفت إلى ما تعلمناه بأن الرجل لا يبكي فهو خطأ فادح، الرجل يبكي كما يضحك ويحزن كما يفرح، فلا بد من مواجهة مشاعرنا وأن نقف أمامها ونحددها ونتعامل معها.كما لابد من التنفيس عن المشاعر في حالة حاجتنا لذلك، (أن العين لتدمع وأن القلب ليحزن) انه النبي صلى الله عليه وسلم يأخذنا إلى ركن قريب ويسمح لنا بالبكاء والحزن حتى نشعر بالراحة.لا بد كذلك من الاعتناء بالصحة الجسدية وممارسة الرياضة وتنظيم الأكل والنوم لأن الإنسان مركب من الجسد والنفس فكلما أرتفع الجسد اصطحب معه النفس.علينا مكافحة الإجهاد والتعب وأن أبحث عن الأشياء التي أحبها وأنطلق من خلالها مثل مجالسة الأصحاب والنزهة وغيرها من الأمور.بعض الناس للأسف عندما ترتفع لديه مشاعر الحزن يلجأ إلى المسكرات وهذه من شأنها أن تخمد مشاعري دون أن تعالجها تماما كالمخدرات والإفراط في التدخين وغيرها، وأنا أتكلم من ناحية نفسية عوضا على أنها من المحرمات التي تفتك بإنسان وتسيء إلى جسده وصحته النفسية، فهي لا تتعدى في دورها أكثر من الوقت الذي يزول أثرها، ويعود إلى الإنسان إلى مشاعره الأولى فيعجز عن مواجهتها مجددا، ومن هنا يغرق في الشرب أو تعاطي المخدرات، ويدخل في حلقة مفرغة لا تسمن ولا تغني من جوع.