19 سبتمبر 2025
تسجيلامتد حكم الدولة العثمانية ستة قرون و19 عاما. في العام 1299 بدأت نواة إمارة بني عثمان من مجرد حامية للثغور السجوقية إلى رأس حربة للتوسع غربا فكان أن انتشر العثمانيون على امتداد ثلاث قارات: أوروبا وإفريقيا وآسيا. شأنهم شأن أية امبراطورية، ساد العثمانيون وصالوا في أربعة رياح الأرض حيث كانوا بعد فتح القسطنطينية وتوسعات سليمان القانوني سادة أوروبا والعالم. وكما كل دولة ما لبثوا أن حفروا نهايتهم بأيديهم من حياة السلاطين الماجنة إلى إدخال الأجنبي عبر معاهدات فتكت بالدولة من الداخل إلى نهاية عمر الدول التي لا تخلّد إلى الأبد. غير أن الضربة الأقوى لصورة العثماني جاءت بعد الانهيار الرسمي للامبراطورية في العام 1918. انكفأت الدولة إلى الأناضول الداخلي بقيادة الضابط مصطفى كمال الذي اكتسب لاحقا لقب "أتاتورك"، فكان تأسيس الجمهورية التي مالت إلى الغرب بكل مظاهره. ومن ذلك القطع مع الماضي العثماني. ما كان أحد يتصور أن أتاتورك الذي ملأت صوره وتماثيله وكلماته كل زاوية من تركيا يمكن أن يخرج من المشهد التركي أو أن يتم تهميشه. كان أقرب إلى أيقونة وإلى شيء يكاد ينافس الأنبياء والقديسين. تغير العالم كله على امتداد ثمانين عاما وما تغير تقديس أتاتورك. حتى حزب العدالة والتنمية عندما جاء إلى السلطة عام 2002 كان زعيمه رجب طيب أردوغان يقول إنه تغير وبات مقتنعا بالنظام العلماني وأنه ضرورة لتركيا الديموقرطية. بل إنه خاطب المصريين وجلب عليه غضب الإخوان المسلمين عندما دعا إلى اعتماد النظام العلماني في مصر. تفاوتت النظرة إلى سلوك أردوغان هل هو فعلا صادق في نظرته إلى العلمانية أم أنه يتبع "التقية" في انتظار الانقضاض على النظم العلماني؟. لا شك أن حزب العدالة والتنمية قد رسّخ أقدامه في تركيا. وبات يحكم السيطرة على كل مفاصل الدولة من الاقتصاد إلى المؤسسات التشريعية والحكومية ورئاسة الجمهورية والقضاء وأخيرا وضع يده على الجيش عبر قيادة "سلسة"ومطيعة. لذا لم يكن مستغربا أن يبادر البرلمان التركي في سابقة تاريخية إلى الدعوة لإحياء ذكرى السلطان المجدد عبدالمجيد الأول في قصر دولمة باهتشه بمناسبة الذكرى الـ 150 لوفاته. والسلطان عبدالمجيد الأول ولد في العام 1823 وتوفي في العام 1861 عن عمر 38 عاما فقط وحكم من العام 1839 حتى وفاته. وما أن استلم السلطنة وكان له من العمر 17 عاما حتى أعلن أول إصلاحات واسعة في الدولة دخلت التاريخ تحت اسم "التنظيمات" عام 1839 وهي "خط غولخانه" نسبة إلى حديقة الزهور في اسطنبول الذي أعلنت منه وفي عهده أعلنت الإصلاحات الثانية المعروفة باسم"خط شريف همايون". وقد دخل السلطان عبدالمجيد التاريخ كسلطان مجدد أدخل الدولة في مرحلة تحديث غير مسبوقة. وإن اعتبر البعض أن التنظيمات التي جاء بها دقت إسفينا كبيرا في بنية الدولة انتهت بها إلى الكارثة. رئيس البرلمان التركي الآن جميل تشيتشيك وهو من القيادات البارزة في حزب العدالة والتنمية أعلن عن إحياء ذكرى السلطان عبدالمجيد في البرلمان وعبر ندوة ليومين عنه. لم يكن الإعلان عن ذلك مجرد محاولة لإحياء ذكرى أحد السلاطين العثمانيين المجددين،علما أن السلطان ما كان يفقه شيئا في التجديد عندما كان أقرب إلى شاهد الزور في إعلان التنظيمات التي كان لرئيس وزرائه رشيد أفندي الدور الكامل فيه قبل أن يقتنع به في الإصلاحات الثانية، بل جاءت الدعوة لتكسر محظورا أيديولوجيا ساد على امتداد حقبة أتاتورك وخلفائه في القطع عن الماضي العثماني. ليس حزب العدالة والتنمية اليوم بحاجة لكي يقتلع من على الجدران صور أتاتورك ومن الساحات تماثيله بل يكفيه أنه نجح حتى الآن بتحويل هذه الصور والتماثيل إلى ديكور وزينة لا تقدم ولا تؤخر في أجندة حزب العدالة والتنمية لعودة تركيا إلى هويتها الإسلامية في انتظار اقتلاع الصور من الجدران بعدما اقتلعها من قلوب غالبية تركية واسعة. لم يعد إعلان استعادة دولة الخلافة في تركيا أو من تركيا سوى مسألة وقت!.