11 سبتمبر 2025
تسجيل"كرامة الإنسان ليست حقاً أصيلاً وحسب، بل هي الأساس لكافة الحقوق الأساسية الأخرى. ولذا، فإن الكرامة، ليست مفهوماً مجرداً فهي حق إنساني لكل فرد على هذه البسيطة. واليوم، يعاني العديد من الذين يعايشون الفقر المزمن من الحرمان من كرامتهم، وغياب احترامها". هكذا يظهر شعار هذا العام، لإحياء اليوم العالمي للقضاء على الفقر، المدى الذي أسهمت من خلاله عدة عوامل، على مدى السنوات الماضية، في تحول الفقر إلى معضلة كبرى، في أنحاء متفرقة من العالم، لدرجة أنه بات ذا تأثير سلبي على الكرامة الإنسانية للملايين، وتؤكد الأمم المتحدة أنه ورغم استمرارها في الالتزام بوعدها بالقضاء على الفقر في العالم بحلول عام 2030، فإن الواقع الحالي يظهر أن 1.3 مليار شخص، ما يزالون يعيشون في فقر "متعدد الأبعاد"، وأن نصفهم تقريباً من الأطفال والشباب. حيث حدد خط الفقر العالمي الجديد مبلغ 2.15 دولار، وهذا يعني أن أي شخص يعيش على أقل من هذا المبلغ في اليوم يُعد شخصاً في حالة فقر مدقع. ووفقا للعديد من التقارير الدولية، خلال الأعوام الماضية، فإن أزمة تفشي كورونا ثم ما تلاها من غزو روسي لأوكرانيا، أديا بصورة كبيرة، إلى عرقلة الجهود الدولية، للقضاء على الفقر، وساهما في زيادة عدد الفقراء في العالم. وكان لجائحة كورونا الأثر الأكبر، في إظهار اتساع الفجوة، بين الأغنياء والفقراء، وكذلك إبراز فشل نظام الحماية الاجتماعية وغياب المساواة، فزادت الشركات قوة، في وقت ضعفت فيه قوة الطبقة العاملة وتآكلت حقوقها، في ظل عمليات تسريح قاسية بفعل الجائحة. وبما أن الفقر لا يمكن اختزاله فقط في الجانب المادي المتمثل في توفير العمل والعيش الكريم والسكن والتعليم والصحة وغير ذلك بل يتعداه إلى الجانب المعنوي المتمثل في الكرامة الإنسانية والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين وتكافؤ الفرص الوظيفية والحياتية والعدل بحيث يصبح الجميع متساوين، فإنه يمكننا قياس الفقر من خلال مستوى المعيشة والصحة وتوفير الغذاء. كما يعتبر مستوى التعليم في أي دولة في العالم من بين المؤشرات المعتمدة لقياس مدى انتشار الفقر فيها، فزيادة وصول الأطفال إلى التعليم تزيد من فرصة تكافؤ الفرص وتحسين ظروف العيش المادية والمعرفية والصحية، لكن المشكلة تكمن في أن حوالي 258 مليون طفل وشاب غير ملتحقين بالمدارس في العالم. ولا يذهب الأطفال إلى المدرسة لأسباب عديدة جميعها هي نتاج الفقر، فأكثر من 70 % من المدارس في كثير من الدول في قارة أفريقيا لا تتوفر فيها مياه صالحة للشرب أو مرافق صحية، كما أن معدل سوء التغذية أكثر بـ 50 % مقارنة بباقي أنحاء العالم، ونسبة إكمال التعليم الابتدائي أقل بـ 18 %. وقضيتا الفقر وغياب المساواة ليستا قضيتين حتميتين، بل هما نتيجتان لقرارات مقصودة أو تقاعس عن العمل مما أضعف الفئات الأشد فقرا وتهميشاً في مجتمعاتنا وانتهك حقوقهم الأساسية، إن العنف الصامت والمتواصل للفقر —الإقصاء الاجتماعي والتمييز الهيكلي وغياب التمكين— يُعجز المحاصرين في براثن الفقر المدقع عن الهروب ويُنكر إنسانيتهم. في عالم يتسم بمستوى لم يسبق له مثيل من التنمية الاقتصادية والوسائل التكنولوجية والموارد المالية، لم يزل الملايين الذين يعيشون في فقر مدقع يمثلون عارا أخلاقيا، فالفقر ليس مسألة اقتصادية فحسب، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد تشمل نقص كل من الدخل والقدرات الأساسية للعيش بكرامة. وقد قامت دولة قطر من خلال جميع مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية بدعم الدول الأقل نمواً للقضاء على الفقر من خلال إطلاق العديد من المبادرات والمساعدات لتحسين أمنها الغذائي وتطوير حلول مستدامة لتعزيز قدرتها على الصمود، في جميع المجالات. كما تعمل جميع المنظمات العالمية على دعم كل السبل للقضاء على جميع أنواع الفقر في العالم. ورغم تضافر الجهود العالمية إلا أن الفقر ما زال موجوداً. حيث يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي فيه سيُشاد بالملايين الذين يعانون الفقر لما يتحلون به يوميا من شجاعة، كما سيُقر فيه بالتضامن العالمي الأساسي والمسؤولية المشتركة التي نتحملها للقضاء على الفقر ومكافحة جميع أشكال التمييز. وسنؤكد على الالتزامات التي نتعهد بها جميعا بما يحقق الاجتماعية والسلام ويعود بالنفع على كوكب الأرض.