10 سبتمبر 2025

تسجيل

الجزائر.. متى تنتهي مصادرة الإرادة الشعبية؟              

19 أكتوبر 2019

انسداد سياسي وحراك أسبوعي والنتيجة حوار طرشان لا يبشر بالخير. المؤسسة العسكرية متمسكة بالحكم الفردي وفرض انتخابات رئاسية على الشعب الجزائري في 12 ديسمبر 2019 القادم في حين أن الحراك والطلبة متمسكون بالخروج إلى الشارع كل يوم ثلاثاء ويوم جمعة للتعبير عن رفضهم لإملاءات السلطة التي لا تستجيب لمطالبهم وتتناقض جملة وتفصيلا مع أسس الديمقراطية.  فالحراك الذي انطلق في الجزائر يوم 22 فبراير لم يهدف إلى إيقاف العهدة الخامسة فقط بل كان يهدف إلى التخلص من نظام صادر إرادة الشعب منذ استقلال البلاد ولمدة 57 سنة. فإيقاف العهدة الخامسة ولو أنه إنجاز يبقى غير كاف تماما لتنظيف الفضاء السياسي الجزائري والانطلاق في مرحلة جديدة تقوم على أسس صلبة تحترم في المقام الأول الإرادة الشعبية والديمقراطية.  ما تقوم به السلطة حاليا في الجزائر هو محاولة إعادة انتاج النظام بطرق عديدة معظمها يتنافى مع مبادئ الديمقراطية. فالسلطة لم تراع المطالب العديدة للحراك وبقيت تماطل وتتريث ربحا للوقت وظنا منها بأنه مع مرور الزمن ستتلاشى قوة الحراك وتنتهي ديمومته ويتوقف. ما يحدث في الجزائر منذ 22 فبراير 2019 أمر غريب وملئ بالتناقضات التي لا يتصورها عاقل أو مختص في العلوم السياسية وأدبيات تحول الأنظمة السياسية من المستبدة إلى الديمقراطية. فقائد الأركان في الجزائر أصبح هو المدبر والآمر وأصبح هو الذي يقرر ويحدد ما يجب القيام به لتحقيق الديمقراطية والتخلص من النظام القديم. فبأي حق ينفرد أحمد قايد صالح بهذا الامتياز وهو ابن النظام وكيف نعمل على الوصول إلى الديمقراطية بطرق استبدادية. كيف ندعي العمل لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإجراءات تصادر إرادة الشعب. مع الأسف الشديد الجزائر لم تتعلم من تجاربها السابقة. فغادة استقلالها كان الكثيرون يراهنون على بروز دولة قوية في المنطقة لكن مع الأسف الشديد مرت الجزائر بمراحل فاشلة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. في أكتوبر 1988 فرصة أخرى تضيعها الجزائر وبدلا من الدخول في مرحلة جديدة من الديمقراطية والحكم الراشد والاقتصاد الرشيد. لم يتحقق أي شيء من هذا بل دخلت البلاد في دوامة من العنف أدت إلى هلاك 200 ألف شخص وخسائر قدرت بمئات المليارات من الدولارات. بل أكثر من هذا جاءت المؤسسة العسكرية بالرئيس بوتفليقة الذي عبث بالبلاد والعباد لمدة عشرين سنة. وللتذكير فإن الرئيس بوتفليقة هو الذي نصب أحمد قايد صالح قائدا للأركان ونائب وزير الدفاع سنة 2004. كما لا ننسى أن أحمد قايد صالح كان من مؤيدي العهدة الخامسة. كيف تستطيع الجزائر تحقيق الديمقراطية بنظام ومسؤولين ساهموا في مصادرة إرادة الشعب وتسببوا في فساد وسوء تسيير وتدبير شؤون البلاد.  هل فهم قايد صالح والمؤسسة العسكرية الحراك ومطالبه وما يريده؟ هل فهم قايد صالح أن السلطة الحقيقية هي سلطة الشعب. كيف يدعي قايد صالح أن الجيش مع الحراك وهو الذي أصبح يتهم الحراك بأنه يستلم الأموال من أجل إفساد خطته والانتخابات. أيعقل أن يكون القايد على حق وعشرات الملايين من الجزائريين على خطأ. فالمرور بالقوة للانتخابات ليس هو السبيل الامثل لتحقيق العدالة والديمقراطية والحرية. فالشرعية الدستورية لا تعني بالضرورة فرض أجندة قوى معينة على إرادة الشعب. والمتمعن في قائمة الراغبين في الترشح لرئاسيات 12 ديسمبر 2019 يلاحظ غياب الأسماء التي كان يعول عليها الحراك من أمثال مصطفى بوشاشي ومولود حمروش والدكتور أحمد بن بيتور والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وعبد العزيز رحابي وغيرهم كثر.  هذا يعني أن ما يهم المؤسسة العسكرية هو القيام بالانتخابات الرئاسية بغض النظر عن الكيفية والظروف التي تجرى فيها هذه الانتخابات. فالسلطة شكلت لجنة للحوار لم تحمل من الحوار سوى الشكل هيئة على المقاس لتأكيد وصاية السلطة على الشعب. كما تم تشكيل لجنة وطنية للانتخابات بعيدا عن الفاعلين السياسيين ونخب المجتمع ومناضلي الحراك وممثلي المجتمع المدني الذين يريدون حقا التغيير.  ما يحدث هذه الأيام في الجزائر أمر يتناقض مع النية الصادقة للوصول إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية. فمن جهة نلاحظ إصرار السلطة على إجراء الانتخابات يوم 12 ديسمبر 2019 ومن جهة أخرى نلاحظ أن أكثر من نصف المجتمع رافض هذه الانتخابات إيمانا منه بأنها تفتقد للظروف والامكانيات اللازمة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. السلطة في الجزائر هذه الأيام، يجب أن تحتكم إلى العقل والبصيرة والمنطق وألا تفوت الفرصة خاصة وأن الحراك منذ ثمانية شهور تصرف بسلمية وبأسلوب حضاري بعيدا عن العنف والفوضى وكل مطالبه منطقية ومعقولة وأن هدفه واضح حيث انه يبحث عن رئيس يختاره هو وعن مسؤولين يتسمون بالنزاهة والإخلاص والالتزام بخدمة الوطن والشعب الذي اختارهم. ما يجب أن تفهمه السلطة في الجزائر هو أننا لا نستطيع علاج المرض بأسبابه ولا نستطيع أن نحقق الديمقراطية بمنظومة فاسدة. السلطة يجب أن تحتكم إلى العقل وتطلق سراح مناضلي وشباب الحراك ومعتقلي الرأي، كما يجب عليها التخلي عن الإجراءات التعسفية ضد الحراك كوضع قيود صارمة لدخول العاصمة وغير ذلك من الإجراءات التي تتناقض مع مبادئ الديمقراطية المتمثلة في حرية التنقل والرأي والتظاهر السلمي المكفول دستوريا وكذلك عدم تقييد حرية العمل السياسي. السلطة في الجزائر هذه الأيام تذكرنا بأيام الحزب الواحد حيث تحتكر وسائل الإعلام الحكومية لتجعل منها منابر لأجندتها وسياساتها وتجعلها تتجاهل أنشطة الحراك والطلبة وكل من لا يتفق أو يعارض السلطة وهذا يعني أن هذه الإجراءات لا تستطيع أن تقود الجزائر إلى الديمقراطية لأنها أساسا تضرب مبادئ الديمقراطية عرض الحائط. فالطريق إلى الديمقراطية يمر عبر الحوار واحترام إرادة الشعب وتجنب أي إجراء يتناقض مع روح الديمقراطية ومبادئها. فيسأل رئيس الأركان الجزائري نفسه لماذا توقف عن ذكر المادة 7 و8 منذ مارس 2019 وليتذكر خطابه الأول من تمنراست عندما اتهم الشباب بالمغرور بهم. أين ذهبت سلطة الشعب؟ وأين ذهبت إرادة الشعب؟ أم أن السلطة والقايد صالح قررا اغتصابها؟ فالمغامرة بانتخابات رئاسية يوم 12 ديسمبر دون توافق وطني مسبق يجمع كل القوى والأطراف يعتبر مجازفة ومخاطرة كبيرة وقفزة نحو المجهول. فالمفروض أن كل هذه القوى تجتمع وتتفق من أجل عهد جديد يتسم بالشفافية وبالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية بعيدا كل البعد عن الحسابات الضيقة. السلطة بحاجة إلى إعادة قراءة الحراك وإعادة حساباتها للخروج من هذه الأزمة ومن هذا الانسداد ولا يجب أن تخاف من ممارسة الديمقراطية بكل نزاهة وشفافية، فالرئيس الذي يختاره الشعب من خلال انتخابات نزيهة ونظيفة سيكون الاختيار الأمثل واختيار الغالبية وإذا أخطأ الشعب في اختيار رئيسه فيتحمل المسؤولية ولا يلوم إلا نفسه. فالانسداد الحالي لا يخدم الجزائر ولا يستطيع أن يفرز عهدا جديدا في الجزائر. بل قد يفتح شهية القوى الخارجية للتربص بالبلاد من خلال التدخلات والإملاءات التي ترفضها الإرادة الشعبية وهي التي ضحت بالأمس القريب بالغالي والنفيس من أجل حرية واستقلال الجزائر. ففي الظروف والأجواء الحالية لا تستطيع الجزائر أن تنتخب رئيسا بطريقة ديمقراطية ولا تستطيع أن تتخلص من النظام القديم.       [email protected]