31 أكتوبر 2025

تسجيل

جدوى بقاء الجامعة العربية بعد معركة اليونسكو؟

19 أكتوبر 2017

منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم، صدرت عنها جملة مواقف وقرارات مؤخرًا تدعم القضايا العربية والإسلامية، الأمر الذي ربما كان سببًا من أسباب خروج الولايات المتحدة منها، وتهديد الدولة الإسرائيلية بالخروج كذلك، وهو ما أفرح العرب بأن المنظمة قادمة لتقديم المزيد حين يتغير رأس الهرم الإداري فيها، خاصة أن حظوظ العرب كانت كبيرة جدًا لتولي إدارة هذه المنظمة الأممية.منذ الجولة الأولى والحظوظ العربية باتت واضحة، والأمل أن يتزعم العرب المنظمة، صار يقوى أكثر فأكثر. وظل المرشحون الآخرون يخرجون وتقل حظوظهم الواحد بعد الآخر، ولم يكمل السباق حتى اليوم الأخير سوى اسمين عربيين واسم فرنسي. لكن بقدرة قادر، تبخر الاسمان العربيان وثبت الاسم الفرنسي، وسط ذهول وحسرة وبقية أخرى من مشاعر سلبية عديدة لا يتسع المجال لسردها.. فازت مرشحة فرنسا، فيما خسر الجولة النهائية المرشح القطري الدكتور حمد الكواري وبفارق صوتين لا أكثر، وكانت قد خسرت قبل ذلك، المرشحة المصرية مشيرة خطاب جولة التنافس مع الفرنسية لجولة النهائي مع الكواري.. وهكذا في مشهد دراماتيكي، خرج العرب صفر اليدين من محفل عالمي وللمرة الثالثة وبقدرة قادر!!لا أريد أن أخوض في تفاصيل ما جرى الأسبوع الفائت، فقد تابع المشهد كثيرون، والكل عرف واستوعب ما جرى وكيف جرى ولماذا جرى كل ما جرى؟! وما عاد يهمني بعد معركة اليونسكو، إن صح وجاز لنا التعبير، سوى التطرق في هذه المناسبة، إلى جدوى التجمعات أو الكيانات العربية، من المحيط إلى الخليج، وعلى رأسها الجامعة العربية. من بعد أن تطرقنا الأسبوع الفائت إلى جدوى بقاء مجلس التعاون الخليجي.بعد معركة اليونسكو الأخيرة، تأكد لغالبية الشعوب العربية وجاهة شكوكها حول أي تجمع أو تكتل عربي، وأنه غالبًا لا تهدف تلك التكتلات والكيانات لتوحيد وتجميع العرب على مصلحة مشتركة، بقدر ما هي للتحزب من أجل مصالح محدودة ضيقة للبعض دون البعض الآخر، وربما أحيانًا أخرى لتحقيق مصالح آخرين من خارج المنظومة العربية!من هذا المنطلق قد يحق لنا التساؤل عن جدوى بقاء كيان قديم، هو في حكم المتهالك المهترئ، والمسمى اصطلاحًا بالجامعة العربية القابعة بميدان التحرير بالقاهرة.. فالجامعة إن لم تقم بأهم أدوارها والمتمثل في توحيد العرب ورص صفوفهم نحو هدف أو مصلحة مشتركة، فما عساه أن يكون الدور إذن؟الجامعة العربية فرّقت العرب أكثر مما جمعتهم، وشواهد من التاريخ حاضرة وأكثر من أن نحصيها ها هنا. ذلك أن المرض الذي أصاب الجامعة مبكرًا، ربما دفع بظهور مجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون العربي والاتحاد المغاربي في القرن الفائت.. نعم ظهرت بعض تلك الكيانات وولدت، لكنها جميعًا ولدت وتحمل جينات الفرقة أو عدم الجدوى أو الفاعلية في أجسادها.نعود إلى معركة اليونسكو، التي أكدت القول بأن الجامعة العربية لو أنها تؤدي دورها بالشكل الأمثل، أو كما أعلنت عن نفسها يوم قيامها، ما كنا لنشهد معارك اليونسكو الأولى والثانية أو الثالثة الأخرى، ولو أنها كانت وما تزال تؤدي دورها، ما ابتلعت إسرائيل أجزاء كبيرة من الوطن العربي، ولما رأينا كارثة الكويت عام 90، ولا فاجعة سقوط بغداد 2003 ولا آخرها أزمة حصار قطر، كأبرز الأمثلة على فواجعنا العربية على مدار أكثر من سبعين عامًا، هي عمر الجامعة العربية، أو إن صح التعبير، المفرّقة العربية، باعتبار أنها فرّقت العرب أكثر مما جمعتهم.لم تقم الجامعة بدورها في معركة اليونسكو الأخيرة كباحثة عن مصلحة العرب القومية أو العليا، كأن تقوم مثلًا بزجر مصر عن التعمق في فجورها بالخصومة ضد قطر في محفل دولي، حتى تحول وزير خارجيتها إلى محرض ضد قطر أو مدير علاقات عامة للمرشحة الفرنسية، وبشكل علني سافر على غير العادة في مثل هذه الخصومات، التي تكون عادة في السر والخفاء. ما حدث هو أشبه بالقيح الخارج من جرح متفجر قديم بالجسد. لو أن الجامعة كانت ذات شأن وهيبة، لما تجرأ الرباعي المتأزم على فعلته اللئيمة الذميمة، وحصار دولة عضو في شهر كريم مبارك، بقصد الإضرار بها أو سرقتها بشكل غير مباشر، تحت مزاعم واهنة كاذبة خاطئة.الجامعة العربية عبء على العرب، وبحاجة إلى انتفاضة أو ربيع عربي لا يقل زخمًا عن ربيع الشعوب العربية عام 2011.. تحتاج إلى تفكير جاد جديد في مسألة الأمين العام، وضرورة اختيار من ينهض بالجامعة، لا أن يكون المنصب مقامًا يستريح فيه المتقاعدون من الخارجية المصرية، حتى تحولت الجامعة العربية إلى أشبه بإدارة من إدارات الخارجية المصرية! لا بد من التفكير الجاد في مسألة المقر أيضًا، فلم تعد القاهرة بالمكان المناسب لجامعة العرب. مدينة مزدحمة غير مستقرة ولا آمنة كذلك، بالإضافة إلى أن الزمن قد فاتها، ومن العدالة أن تحظى عواصم عربية أخرى بفرصة احتضان المقر، فإن تغيير البيئة المحيطة أحيانًا كثيرة، تعد من الأسباب الرئيسية للنجاح والإبداع في أي مجال من مجالات الحياة العملية.تلكم في الختام، كانت خواطر سريعة من وحي معركة اليونسكو الثالثة، التي رأى العرب الهزيمة وهي تُطبخ في مطابخ عربية نهارًا جهارًا، من أجل أن يفوز غيرهم ويستمتع ذاك الغير بمذاق هذا الشرف الأممي حينًا من الدهر، وليستمر العرب في تجرّع مرارة الهزائم والكبوات المستمرة، كبوة بعد أخرى، وهزيمة بعد أختها، حتى يأتيهم اليقين.