16 سبتمبر 2025

تسجيل

الأزمة الأردنية والحلّ المنشود

19 أكتوبر 2012

هل الأردن بخير هذه الأيام؟! نتمنى أن يكون كذلك هو وكلّ قطر عربي، لكنّ ما يعيشه الأردن لا يشي أن الأمور بخير.. قبل أيام كلّف الملك الأردني الدكتور عبد الله النسور بتأليف الحكومة خلفاً لحكومة فايز الطراونة التي وجدت نفسها بحكم المستقيلة وفقاً للدستور بعد أن حلّ الملك البرلمان القائم. عمر الحكومة التي شكلها النسور لن تزيد على أربعة أشهر كأقصى حد، والمفارقة أن الحكومة الحالية هي خامس الحكومات الأردنية تشكُلاً منذ بدء الربيع العربي، تلك الحكومات التي لم تأت واحدة منها إلا وكان الإصلاحُ الشامل مقصداً لسيرها إلا أنها ذهبت بين الإقالة والاستقالة قبل أن تبصر حكومة النسور النور فوق رماد من سبقها. الملفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالقة في الأردن لا تزال كما هي منذ بدء الربيع العربي، والتحديات تزداد إلحاحاً مع اضطرار الحكومة رفع أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية إذا ما خضعت لتوصيات البنك الدولي الذي يستعد لإقراض المملكة عدة مليارات، وسيف الوقت يهوي بأسرع من رجع الصدى إذ إن الشارع الأردني يترقب قلقاً من أن تكون الحكومة الحالية كأخواتها في المهادنة، في حين أن المعارضة وعلى رأسها جبهة العمل الإسلامي تتمنع عن التعاون مع الحكومة الحالية، مطالبة بأن تكفّ دوائر صنع القرار عن المماطلة، وأن تبدأ بعملية إصلاح حقيقي. لا يعقل أن القصر الملكي لا يدرك أن الحلّ ليس بذهاب حكومة وإتيان أخرى طالما أن الحكومات جميعها مرغمة على السير بقانون انتخاب الصوت الواحد الذي لا يوجد مثيل له في أغلب دول العالم، ذاك القانون الذي سُنّ لإقصاء المعارضة وتحجيم حضورها تحت قبة البرلمان في غابر الأيام، يوم كانت الشعوب العربية تتلظى تحت ضربات النظم المستبدة. اليوم الأمور تبدلت، وما بات يرفع في الساحات والميادين كان من المحرمات قبلاً، وعلى دوائر صنع القرار في المملكة إدراك أن الأمور ما زال بالإمكان السيطرة عليها، وليس من الضعف أو سوء التقدير تلبية مطالب الشارع المنتفض حيث لا تزال تلك المطالب تقف عند حدود "الملكية البرلمانية" التي يحق فيها للأغلبية البرلمانية تسمية رئيس الحكومة ووضع برنامجه السياسي. يبدو أن دائرة مستشاري القصر لا تزال مقتنعة أنه بالإمكان التحايل على المطالب المرفوعة، مراهنين على تقطيع الوقت بين تشكيل الحكومات وإجراء الانتخابات البرلمانية الواحدة تلو الأخرى في الوقت الذي تصرّ فيه المعارضة على عدم المشاركة في أي انتخابات قانونها الصوت الواحد. لقد أخفق البرلمان الحالي الذي قاطعته المعارضة، كما أخفقت الحكومات الأربعة التي تم تشكيلها قبل حكومة النسور في معالجة أي من القضايا طالما أنها مقيدة اليد، ولا تجد تعاونا من قبل المعارضة، وباتت الحكومات الأردنية بين فكي كماشة، دائرة صنع القرار المتمثلة بالأجهزة الأمنية أو القصر من ناحية والمعارضة من ناحية أخرى. وسط هذه العلبة تحاول دوائر صنع القرار تخويف الأردنيين من أي تغيير على التركيبة الأردنية في حين تدغدغ قوى المعارضة أحلام الشارع بأنها الأقدر على تحقيق تطلعاته في حكم نفسه بنفسه ضمن دولة ملكية، يكون فيها الملك حكماً بين السلطات الحاكمة وراعياً للدستور وليس خصماً بين المتصارعين على السلطة. المطلوب اليوم وقفة جريئة من الملك الأردني والكفّ عن السمّاع للمستشارين لأن الأزمة طالت، ولا يبدو أن في الأفق مجالا لحلّها إذا لم يتمّ التنازل عن بعض المكتسبات، وبناء دولة جديدة يقدر فيها الشعب الملك، ويقوم الملك برعاية الشعب من خلال السهر على سير عمل السلطات، وإلاّ فإن القلق أكيد من خروج الأمور عن السيطرة إذ إن أحداث سوريا ليست بعيدة، وعدد اللاجئين السوريين في الأردن يزداد يوما بعد يوم، وهو يُذكّر بما كان عليه وضع الشعب الفلسطيني حين لجأ إلى الأردن على أمل العودة، في حين أن مصلحة الغرب كانت في إغراق الدول المحيطة بإسرائيل بقضايا داخلية تشغلها بنفسها، هذا فضلاً عن إمكانية تسلّل الفكر الجهادي من سوريا ليضرب أول ما يضرب في الدول المجاورة.