19 سبتمبر 2025

تسجيل

"العدالة والتنمية"..المؤتمر والرهانات

19 سبتمبر 2015

في العام الماضي وبعد انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسا للجمهورية، عقد حزب العدالة والتنمية مؤتمرا لانتخاب خليفة لأردوغان في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة. فالعادة في تركيا أن يكون رئيس الحزب الأكبر هو رئيس الحكومة. ومن هنا تبدأ حكاية حزب العدالة والتنمية مع التغيير أو الاستمرارية.خروج أردوغان من رئاسة الحزب كان مثار نقاشات حول ما إذا كان ذلك سيؤثر على وحدة الحزب وقوته ودوره في الحياة السياسية خاصة أن اسم الحزب ارتبط باسم أردوغان منذ تأسيسه عام 2001.طبعا هذا لا يلغي الدور المحوري لآخرين مثل عبدالله غول وبولنت أرينتش وعبداللطيف شينير وغيرهم، لكن أردوغان كان المحرك والقائد الذي يخوض المعارك في الشارع ويصد بنفسه الهجمات على الحزب من جانب خصومه. وأردوغان كما بات يعرف الجميع رجل مشاكس ويحب الجدل وخوض الحروب السياسية.خرج أردوغان من رئاسة الحزب والحكومة وجاء بدلا منه في الموقعين وزير الخارجية أحمد داود أوغلو الذي بالكاد كان انتسب إلى الحزب بعد تعيينه وزيرا للخارجية عام 2009، أي أنه ليس من المؤسسين ولا من الرعيل القديم.كان اختيار داود أوغلو خليفة لأردوغان أقرب إلى التعيين منه إلى الانتخاب فلم يكن هناك من منافس له والمؤتمر تم على عجل، وفرضت التساؤلات نفسها كيف يمكن لمن ليس له دور رائد في تأسيس الحزب ولا مسيرته أن يمسك بمقود القيادة.ما جرى بعد ذلك أظهر أن رئيس الجمهورية لم يتخل عن الحزب ولا عن التدخل في شؤونه، وخاض أردوغان بنفسه معارك الحزب الانتخابية كما لو أنه لا يزال هو الرئيس الفعلي لحزب العدالة والتنمية، كان يخطب في المهرجانات الشعبية ويجتمع مع فعاليات اجتماعية بصورة شبه يومية ويدعو للاقتراع لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية في السابع من يونيو الماضي.انتهج أردوغان سلوكيات تختلف عما انتهجه كل الرؤساء الأتراك، فالنظام السياسي في البلاد برلماني والسلطة التنفيذية فيه لرئيس الحكومة، وكان إجماع اعترف به أردوغان لاحقا بأنه ينتهك الدستور ويمارس صلاحيات ليست له.كان الامتحان الأول لهذه التركيبة الجديدة في حزب العدالة والتنمية في انتخابات السابع من يونيو الماضي.وكانت النتيجة سلبية جدا إذ فقد حزب العدالة والتنمية الغالبية المطلقة بتراجع حوالي سبعين نائبا وبتراجع تسعة في المائة من مؤيديه. أسباب متعددة وراء هذا التراجع لكنه يحسب على قيادة حزب العدالة والتنمية الجديدة برئاسة داود أوغلو.بعد الانتخابات كان منتظرا أن تتم مراجعة حسابات ونقد ذاتي داخل الحزب لمعرفة أسباب هذا الإخفاق النيابي، لكن بدلا من ذلك انعقد المؤتمر الخامس للحزب الأسبوع الماضي وتم التجديد لداود أوغلو بل كان المرشح الوحيد ونال إجماع أصوات المندوبين. أيضا تم تقديم قائمة واحدة من خمسين شخصا لعضوية اللجنة المركزية للحزب. ولم يترشح أحد خارج العدد المطلوب ففازت القائمة بالتزكية. بينما يتذكر الجميع الانتخابات الساخنة التي جرت داخل حزب الفضيلة في العام 1999 حيث بالكاد فاز رجائي قوتان برئاسة الحزب ضد منافسه عبدالله غول، مدعوما من أردوغان الذي لم يكن نائبا، وبفارق أصوات قليلة.ما ظهر من المؤتمر الخامس للحزب الأسبوع الفائت هو أن القائمة الجديدة للجنة المركزية حيث يتخذ القرار تنتمي بغالبيتها الساحقة لرئيس الجمهورية فيما استبعدت أسماء وازنة جدا مثل بولنت أرينتش وبشير أتالاي وعلي باباجان، كما تم استبعاد أسماء كان يريدها داود أوغلو واعترض عليها أردوغان.رسّخ مؤتمر الحزب الخامس أردوغان على أنه الرئيس الفعلي لحزب العدالة والتنمية بحيث لم يعد ممكنا التمييز بينهما، وهذا بالطبع يخالف الدستور التركي الحالي من جهة ويجعل رئاسة داود أوغلو للحزب والحكومة موضع نقاش حتى داخل حزب العدالة والتنمية. ولقد اعترف علنا مقربون من حزب العدالة والتنمية أن الحزب اجتاز امتحانا صعبا للحفاظ على وحدته لكن ليس أساس تسوية بين أردوغان وداود أوغلو بل على أساس قبول داود أوغلو بالعمل وفقا لساعة أردوغان.السؤال الأساسي ليس أن يكسب حزب العدالة والتنمية بعض النقاط الإضافية بل هل يمكن له أن يستمر هكذا من دون أي تجديد في قيادته خصوصا أنه خرج بإخفاق كبير من الانتخابات الماضية؟ الانتخابات المقبلة قد لا تكون حاسمة على صعيد الإجابة لكنها ستكون مؤشرا للحسم اللاحق.