11 سبتمبر 2025

تسجيل

الإدمان الإلكتروني

19 سبتمبر 2015

قبل عقدين من الزمن كان الكلام في الأوساط العلمية والإعلامية والتربوية عن إدمان الأطفال والشباب التلفزيون، وأكدت النتائج آنذاك أنه بانتهاء المرحلة الثانوية يكون الطالب قد قضى أمام شاشة التلفزيون وقتا أكثر من ذلك الذي قضاه على مقاعد الدراسة. أما بالنسبة لنتائج وتداعيات هذا التعرض المكثف للتلفزيون على التحصيل المدرسي والأداء الفكري والعلمي فأوضحت نتائج مختلف الدراسات أنها سلبية تشير إلى وجود علاقة ارتباطية بين كثرة المشاهدة وضعف النتائج المدرسية والتحصيل العلمي. بانتشار الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والإعلامية تطورت الأمور وانتشرت ظاهرة أخرى جاءت لتحل محل الإدمان التلفزيوني وهي الإدمان الإلكتروني. فهذه المرة أصبحنا أمام إدمان من نوع آخر، إدمان أكثر خطورة لأن الوسيلة أكثر تطورا وأكثر سهولة للتعامل والاستخدام والولوج والإبحار فيها، فالهاتف الذكي على سبيل المثال يختلف عن التلفاز حيث إنه يسهل نقله وحمله واستخدامه، فالهاتف اليوم يقدم مئات الخدمات إضافة إلى الخدمة التي يقدمها التلفزيون وهي تقديم البرامج بمختلف أنواعها، الكلام عن الهاتف الذكي يقودنا للكلام عن الشبكة العالمية العنكبوتية التي انتشرت في جميع أنحاء المعمورة كالفطر وأصبحت من ضروريات الحياة لا مفر منها بالنسبة لجميع الشرائح الاجتماعية المختلفة بغض النظر عن انتماءاتهم وطبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية ومستواهم التعليمي.الإدمان الإلكتروني يعني استخدام الهاتف الذكي والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها بطريقة غير طبيعية وغير عادية حيث التعاطي مع هذه التكنولوجيات لساعات طويلة تزيد على الثماني ساعات يوميا. نلاحظ اليوم أن الفرد في المجتمع أصبح لا يستطيع العيش دون هاتفه النقال ولو لساعات محدودات وأصبح لا يستطيع أن يستغني عن الإنترنت والشبكات الاجتماعية المختلفة، فالدراسات اليوم تؤكد أن الشباب يقضي معدل ست ساعات يوميا وهذا وقت كبير جدا لو أُستثمر في القراءة مثلا لعاد بالفائدة الكبيرة على صاحبه، إدمان الهواتف الذكية على سبيل المثال أدى إلى انتشار ظواهر اجتماعية عديدة من أهمها انهيار الاتصال الإنساني داخل العائلة والمجتمع وأصبح الفرد في المجتمع يعتمد كليا على هذه الوسيلة ويقضي ساعات عديدة في استخدامها حيث يصبح يعيش في عالم افتراضي يكون في أحيان عديدة مختلف تماما عن الواقع الذي يعيش فيه. حيث أكدت دراسات عديدة أن الشاب على سبيل المثال يقضي ما بين 5 إلى 6 ساعات في استخدام الهاتف الذكي ما يؤثر سلبا على التزامات عديدة في حياته اليومية كالدراسة والتعلم والعمل. أشارت دراسة شارك فيها 18777 شابا من عدد من الدول العربية إلى وجود %33.6 من مجموع المشاركين في حالة إدمان، وأن هناك 6313 حالة قابلة للإدمان أي بنسبة 38.4%، وهذه القابلية من شأنها أن تتحول مع الوقت إلى إدمان، مما يعني أن عدد المدمنين في العالم العربي مرشح للزيادة بل المضاعفة، وهو رقم مخيف.ومن أهم أعراض مرض الإدمان ما يلي:* قضاء أوقات طويلة مع الشبكة وعدم الملل أو الكلل.* القلق والتفكير المفرط في الشبكة وما يحدث فيها، والشعور بالحزن والاكتئاب لعدم الاتصال بها. بالإضافة إلى أن المدمن يلجأ إلى النوم العميق بعد التعب الشديد من استخدام الشبكة، فضلا عن ظهور اضطرابات نفسية عليه كالارتعاش وتحريك الأصابع بصورة مستمرة.* الشعور بالرغبة الشديدة في الدخول إلى الشبكة بعد تركها.* إهمال المستخدم للحياة الاجتماعية والالتزامات العائلية والوظيفية. ويؤكد خبراء الصحة النفسية أن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال تركت الكثير من الآثار الاجتماعية والنفسية والعقلية على شخصية كل من الأطفال والشباب، وهم أكثر الفئات إقبالاً على الهواتف الذكية والانترنيت، وإذا كان للشبكة العالمية جوانب إيجابية مثل توفير المعلومات والبيانات عن أي موضوع في وقت قصير، إلا أن نفس الشبكة تتميز بسلبيات عديدة وبمواقع تنشر الرذيلة والقمار وأشياء كثير تهدد النسيج الأخلاقي وقيم المجتمع. حذر علماء النفس من مخاطر الاستخدام المفرط لدرجة «الإدمان»، وهي حالة الاعتماد الكامل على الإنترنت لفترات طويلة، وربما وصل إلى مستوى لا إرادي، بمعنى عدم القدرة على التوقف عن الاستخدام، مما يسبب الكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل الميل إلى الوحدة والانطواء، وانخفاض مهارات التواصل الاجتماعي مع الآخرين، بما يؤدي إلى ضيق دائرة العلاقات مع الأصدقاء، كذلك قد ينعكس ذلك على إهمال المظهر الشخصي، وإهمال الأطفال والزوجة والمسؤوليات المختلفة سواء إزاء الذات أو المدرسة أو العمل أو الأسرة أو المجتمع، في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ينتشر هذا الإدمان الجديد، تم تقييم الأوضاع النفسية والعقلية لـ41 شخصا ممن يدمنون الإنترنت وكان معدل أعمارهم 53 عاما، وتم إجراء مقابلات معهم للتعرف على المشكلات التي واجهوها بالفعل، مثل العلاقات الاجتماعية الفاشلة، وفقدان الوظيفة، والطرد من المدرسة، وقد تبين أن أحدهم وعمره 21 عاما كان يستخدم الإنترنت لأكثر من مائة ساعة في الأسبوع، ويهمل أسرته وأصدقاءه ومسؤولياته المختلفة، ولا يتوقف عن استخدام الشبكة إلا عند النوم فقط، وآخر عمره كذلك 21 عاما، كان اختفى لمدة أسبوع، وتم العثور عليه في مختبرات الحاسوب بالجامعة بعد أن أمضى 7 أيام متواصلة على الإنترنت. تبرز الدراسات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية أن حوالي 10% من مستخدمي الإنترنت الأمريكيين يعانون من حالة إدمان، وإذا كان أطباء النفس لا يتفقون جميعا على اعتبار هذا الإدمان مرضا حقيقيا فإنهم يجمعون على نقطة واحدة وهي وجود ملايين الأشخاص يعانون من هذا الإدمان إلى حد جعلهم يفقدون شريك حياتهم أو وظيفتهم.إن إدمان الإنترنت أدى بالبعض إلى فقدان علاقات اجتماعية جوهرية أو إهدار فرص الترقية وتحسين الوضع الوظيفي بسبب الانشغال به، فيما يلجأ البعض إلى الكذب وخداع أفراد الأسرة أو الطبيب أو أي شخص آخر لإخفاء درجة وحجم التورط والارتباط الشديد بالشبكة، بينما يلجأ البعض إلى استخدام الكمبيوتر كأسلوب للهروب من المشكلات وتخفيف سوء المزاج الذي يعانيه الشخص مثل الشعور بالعجز أو الذنب أو القلق أو الاكتئاب. لقد حان الوقت للتفكير بطريقة جدية وعلمية ومسؤولة في المنطقة العربية للنظر في ظاهرة الإدمان الإلكتروني ودراستها للخروج بالحلول الناجعة لمواجهتها حيث إنها تنتشر يوما بعد يوم بسرعة كبيرة وبآثار وتداعيات سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع.