17 سبتمبر 2025
تسجيليمثل الأزهر قلعة إسلامية مهمة، فهذه المؤسسة العظيمة التي خرجت العلماء والقراء والحفاظ ونشرت الإسلام في بلاد كثيرة، يستحيل أن ينكرها إنسان، فلا نجد بلد في شرق الأرض وغيرها إلا وللأزهر بها دور تاريخي يستحيل أن ينكره عاقل منصف، وهذه المؤسسة كما أخبرني أساتذة لي أقدرهم بأنه كان الطالب إذا أخطأ في أربع آيات في القبول بالثانوية يستحيل قبوله. وعندما جاءت الثورة في 23 يوليو بدأت في هدم دور الأزهر وتغيير مناهجه ودوره وإضعافه وأصبح شيخ الأزهر يعين بقرار جمهوري وليس بحسب الكفاءة، ومع ذلك ظلت هناك قيادات أزهرية وعلماء لهم صولة وجولة ولهم احترامهم، وبقي للأزهر دور في استقبال أبناء المسلمين من شتى بقاع الأرض رغم ضعفه، وقد حاولت قوى سياسية في الأحزاب الحاكمة إبان العهد الناصري والساداتي استغلال الأزهر ولكن كان ذلك محدوداً لوجود مقاومة مع وجود ضغوط كبيرة جعلت هذه المؤسسة عاجزة في كثير من الأحيان، وفي الظروف التي مرت بها مصر من صراعات كانت هناك محاولات لطلب دور الأزهر، ولكن الأزهر الذي واجهته ضربات واضطهاد لرجاله وعلمائه كان عاجزاً عن مقاومة كل الأخطار والمحن التي مرت بها مصر جراء مغامرات العسكر والأنظمة الشمولية في مصر. وكان بعض المخلصين ينادون بإصلاح الأزهر وعودته لأداء دوره القيادي للعالم الإسلامي أمام الأخطار والتيارات الداخلية والتبشير والأفكار المنحرفة، فكنت متحمساً لهذه الفكرة وشاءت الظروف أن التقي أنجال الرئيس حسني مبارك جمال وعلاء وهما في ريع شبابهما قبل أن يخوضا غمار صراع الحياة، وذلك في موسم الحج على مائدة الغداء في منى بضيافة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله، وطلبت اللقاء بهما وكانت فرصة طيبة لأطلب إليهما نقل رسالة لوالدهما بخصوص الأزهر، فقلت لهما إن أياكم عنده مفتاح محاربة التطرف وذلك بعودة الأزهر لدوره السابق قبل قرارات التطوير والثورة التي أضرت به وهمشته وقلصت دوره مما ترك الباب أمام أنصاف المتعلمين وأرباح المثقفين الذين حملوا راية التطرف والعنف. إن الأمة تحتاج إلى الدين وتعلمه ولا تستغني عنه فبدلاً من أن نأخذه من هؤلاء الذين أساءوا للإسلام لغياب دور الأزهر فلماذا لا يعود الأزهر ليعلم الناس الدين القائم على العلم والتوازن والاعتدال وأن قراراً من والدكم بإعادة دور الأزهر وتشجيعه وإعطائه مكانته لن يدع لهؤلاء الأدعياء مجالاً وسيجدوا أنفسهم مهمشين منبوذين وهذا أقوى ما نواجه به هذه الظاهرة الدخيلة على الأمة، ولكن رغم احترامهما لي في المقابلة وتواضعهما لم تجد الرسالة طريقها للسماع عند والدهما كعادة القادة العرب عندما لا يحترموا النصائح ولا يفكروا بالآراء وجذور القضايا ويسمعوا ما تقوله الأمة وسجنوا أنفسهم أمام مجموعة منتفعة تسببت في دمارهم ودمار أمتهم. ثم كان لي لقاء مع الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر رحمه الله، وقلت له أترك لك حسنة عند الله يوم القيامة تبقى لك في الميزان أطلب من الرئيس مبارك واقنعه بعودة الأزهر لدوره، وأخبرته مرات ولكني فشلت أيضا. وللأسف غياب الأزهر تسبب في انتشار التطرف بمصر والأفكار المنحرفة التي صدرت إلى البلاد الإسلامية والعربية بالخصوص من اشباه وأنصاف وأرباع أثلاث أهل العلم الذين يأخذونه من الكتب وردود الفعل. وعندما بدأت إيران في نشر فكرها المنحرف الضال، بما يسمى تصدير الثورة، كانت عينها على مصر في نشر فكرها وهدفها كان القضاء على دور الأزهر والانتقام من صلاح الدين الأيوبي الذي حرر الأزهر من الفاطميين وأفكارهم المنحرفة. وعجز الأزهر عن القيام بدوره أمام المد الإيراني وغيره الذي توسع في إفريقيا وآسيا وغيرها وأمام التبشير وغيره، لقلة الإمكانيات وللقيود التي تضيق دوره بسبب المواقف غير المسؤولة في العهد السابق. ثم جاء دور التغيير في مصر ولعب الأزهر دوراً كثيراً في الحفاظ على وحدة البلاد أمام الفتن والصراعات وجر البلاد لأي حرب داخلية، ومهما اتفق الناس واختلفوا مع الأزهر فلن يستطيع أحد إنكار دوره في إخماد وقود الفتنة الطائفية التي يسعى إليها أعداء مصر إلى جر البلاد لصراعات. ولكن الأزهر ضاق ذرعاً بتحديات واستغلال إيران لظروف مصر للوصول إلى أهداف معروفة وأطماع تاريخية تهدد مصر ودورها، ولذا بعد أن ثبت فشل دور ما يسمى بلجان التقريب وما هي إلا خديعة كبرى وأضحوكة ومهزلة لضياع الوقت لغير الجدية من الطرف الآخر الذي لا يريد الوصول إلى حل لخدمة الأمة وتجنيبها الصراع لصالح أعدائها. وكانت زيارة أحمدي نجاد لمصر وكأنه فاتح وعدم تقدير الساسة المصريين لخطورة وأبعاد هذه الزيارة من حيث التعامل معها وليس من الزيارة نفسها التي كانت ضمن مؤتمر دولي لا علاقة لمصر ببرنامج الضيوف، إلا أن الرجل جاء يحمل رسالة تحدي فكري فكان لابد للأزهر أن يواجه الحدث ويوصل رسالته القوية في المؤتمر الصحفي وهو موقف شجاع عجز عنه الكثير للأسف، ومثل صيحة مصر والعالم الإسلامي أمام هذا الخطر وأهدافه وكان ذلك له أثر وصدى عظيم في العالم العربي والإسلامي وقوبل بالترحيب والتشجيع. وعندما قام شيخ الأزهر بزيارة لدول الخليج، كانت لها أثر في إعطاء صورة أن مصر مازالت على العهد أمام اخوانها فكرياً وثقافياً، وكانت نتائجها إيجابية طيبة في دعم عربي لهذه المؤسسة معنوياً ولوجود خطوط لقاء وإزالة مخاوف من الأخطار من طهران وبغداد في الظروف الراهنة. إلا أن هذا لا يكفي، فعلى دول الخليج أن تستقبل الرسالة وتدعم الأزهر وتقدم له الإمكانيات وتشجعه في أداء دوره في إفريقيا وآسيا والأقليات لمواجهة الخطر الداهم والسرطان القادم من التطرف الفكري والانحراف والتعصب المذهبي القادم من طهران وبغداد لإشغال المسلمين وإثارة الفتنة وتمزيق المسلمين، كما حصل في الصومال واليمن وسوريا والعراق وما يهدد دول المغرب العربي، فأقول للعرب ها هو الأزهر قلعة الإسلام وصرحهم وحصنهم فشجعوه وأعيدوا له رسالته.