15 سبتمبر 2025
تسجيللا يمثل تشكيل الحكومة المقبلة التي يقودها رئيسها يوسف الشاهد، والتي ستعلن تشكيلتها النهائية قريبا، انفراجًا حقيقيًا للأزمة التونسية، لسببين رئيسيين، أولهما: أن يوسف الشاهد كان عضوًا في حكومة الحبيب الصيد الفاشلة، والتي هي امتداد لحكومة مهدي جمعة المعروفة بخياراتها وتوجهاتها الليبرالية، حيث سيواصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الجديد السياسة عينها، وهي سياسة حكومة الصيد الفاشلة. وثانيهما، أن حكومة يوسف الشاهد لا تختلف خياراتها عن سابقاتها من الحكومات الثماني، التي عرفتها تونس بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق في 14يناير 2011، لاسيَّما أن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لرئيس الحكومة الجديد سيكون ملتزمًا بالتعهدات التي قطعتها تونس أمام صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية المانحة، والتي عادة ما تفرض شروطًا تعجيزية أمام الدول التي يمر اقتصادها بصعوبات هيكلية ظرفية مقابل إسنادها قروضا لتمويل ميزانياتها.. فحتى وثيقة قرطاج التي صادقت عليها أحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة، إضافة إلى خمسة أحزب من المعارضة الديمقراطية (حركة مشروع تونس، الجمهوري، المسار الديمقراطي الاجتماعي، حركة الشعب)، باستثناء الجبهة الشعبية التي تمثل أكبر تجمع ديمقراطي للمعارضة بنحو 15نائبا التي رفضت أصلا المشاركة في الحكومة، ونالت دعما من الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف، واتحاد الفلاحين، وهي التي ستكون برنامج الحكومة المقبلة بقيادة الرئيس يوسف الشاهد، ليست في المستوى التاريخي المطلوب لتقديم إجابات عقلانية وواقعية لمعالجة الأزمات التي تعاني منها البلاد. إن التحدّي الأول الذي ستواجهه حكومة الشاهد، يتمثل في معالجة مشكلة البطالة، إذ يوجد ما يقارب 700 ألف عاطل عن العمل ومنهم 250 ألفا من حاملي الشهادات الجامعية، وغالبية العاطلين عن العمل تنتمي إلى فئة الشباب. وقد بلغت نسبة البطالة لدى بعض الفئات وفي بعض المعتمديات 40 وحتى 50% وهو ما يهدد أسس البناء الاجتماعي والوطني التونسي، فضلا عن كونه إهدارا للرأسمال البشري بعدم إدماجه في التنمية بما ينذر بمخاطر كبيرة. ويقتضي هذا الوضع مقاربة جديدة لمواجهة البطالة بوضعها ضمن الاهتمامات الأساسية للأطراف الاجتماعية التي لابد أن تشرف على تمويل وتسيير الخطط العاجلة لدعم قدرات العاطلين بإحداث الصندوق الوطني لتكوين وإدماج الشباب الذي يمول بمساهمة الدولة والمؤسسات الاقتصادية والشغالين وشركاء التنمية ويشرف على تسييره مجلس من أطراف الإنتاج الثلاثة. لم تنجح الحكومات الثماني ما بعد الثورة في محاربة الفساد، بل إن الفساد ازداد انتشارًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في تأخير تطبيق تنمية حقيقية من شأنها أن تعيد الأمل لعموم التونسيين.. فهل ستنجح حكومة الشاهد في إعلان الحرب على الفساد كأولوية مهمة جدا، في الوقت الذي خسرت فيه تونس من 2 إلى 3 نقاط نُمُوٍ، حيث إن الفساد يعتبر من أهم أسبابها. ثم إن محاربة الفساد من الحكومة الجديدة تقتضي أن تكون هذه الأخيرة حاملة لمشروع إصلاح وطني حقيقي، قوامه إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية أي دولة القانون، بما تتضمنه دولة المؤسسات ومعها إرساء شروط الشفافية وعقلية المساءلة والمحاسبة التي من دونها لا مجال لكسب رهان الحرب على الفساد. كما تقتضي محاربة الفساد، تحقيق ضربات استباقية للوبيات والمافيات الكبيرة، حيث إن قياداتها تمول الحزب الحاكم الذي أوصل الشاهد إلى رئاسة الحكومة. ويشبه الأمر، هنا، أن يقطع الرجل الغصن الذي يجلس عليه فوق شجرة الإنقاذ. إضافة إلى كل ذلك، على الحكومة الجديدة ضرورة الإسراع في طرح برنامج للإصلاح الديمقراطي الحقيقي في مختلف مؤسسات الدولة التونسية، من أجل تحقيق المحاسبة والمساءلة التي يجب أن تبدأ برموز الفساد، فهؤلاء بما استطاعوا تحقيقه من ثروات مادية كبيرة غير مشروعة، وبعلاقاتهم الداخلية والخارجية، أصبحت لديهم مافيات ولوبيات فساد كبيرة، قادرة بما لديها من إمكانات على إعاقة عملية الإصلاح، وكذلك عملية التنمية. واستطاع هؤلاء الفاسدون، الاستفادة من أجواء عالمية وإقليمية وداخلية، فعملوا على حرف مسيرة التنمية، وأعاقوا تصميم هذه المسيرة. ساعدهم في ذلك، هذا الفخ الإعلامي ـ الثقافي الذي يروج لثقافة السوق الحرة، وينادي بوحدانية السوق، وبالخيار الوحيد المطروح، ألا وهو الالتحاق بقطار العولمة (قبل فوات الأوان) والاندماج بالاقتصاد العالمي. إن جوهر ما تنادي به أحزاب الائتلاف الحاكم، مدعومة بمطالب الشراكة الأوروبية ـ المتوسطية، هو أيديولوجية الليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي أوصلت العالم إلى هذا الاستقطاب الحاد على الصعيد العالمي، الذي عمق مشكل الفقر وأرسى قواعد تهميش الشعوب. سواء في عهد حكومة الترويكا أم في ظل حكومة مهدي جمعة، أو في ظل حكومة الحبيب الصيد، كان القاسم المشترك بين جميع هذه الحكومات، هو غياب البرنامج الوطني لمواجهة التحديات الكبيرة لتونس، لاسيَّما الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الضغوطات الكبيرة التي تمارسها المؤسسات المالية الدولية المانحة على تونس لتمرير شروطها، ومسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول مشروع اتفاق «أليكا». وإذا أرادت حكومة الشاهد أن تكون حكومة وحدة وطنية حقيقة وفعلية، عليها أن تبلور إستراتيجية وطنية تقوم على رفض الهيمنة الخارجية، والوقوف بحزم ضد التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لتونس، ولاسيَّما أن تعبر الحكومة الجديدة عن موقف وطني قوي في ملف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بخصوص ما يعرف بمشروع اتفاقية "أليكا" الشامل والمعمق والمتعلقة بتحرير الخدمات مع تونس والتي كانت موضوع انتقادات واسعة من قبل جل الخبراء والمنظمات الوطنية واعتبرت في غير وقتها باعتبارها تهدد قطاع الخدمات الوطني وتمس من سيادة القرار الوطني. إن حكومة يوسف الشاهد، من الصعب عليها أن تتنصل من التعهدات التي قدمتها حكومة الحبيب الصيد لصندوق النقد الدولي، لاسيَّما فيما يتعلق بتطبيق برنامج الإصلاحات الهيكلية المفصل والذي يمتد من أواسط السنة الحالية وينتهي سنة 2019، وذلك في رسالة بـ37 صفحة موجهة من سليم شاكر وزير المالية والشاذلي العياري محافظ البنك المركزي، إلى رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد بتاريخ 17 مايو 2016. وهذا التوجه الليبرالي للحكومة الجديدة يلبي شروط الإصلاحات الهيكلية المفروضة من جانب المؤسسات الدولية المانحة. وبالمقابل تتمثل انتظارات الشعب التونسي في ميلاد حكومة وطنية تلتزم ببرنامج وطني قوامه القيام بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي ينطلق من سياسات التنمية الشاملة والمستدامة، وتحقيق هدف زيادة معدلات النمو الاقتصادي مع تحقيق عدالة التوزيع. والعدالة الاجتماعية، وحُسن توزيع الدخل والثروات، وترشيد كفاءة السياسات الاستثمارية، والتفاعل الإيجابي بين التوجه التنموي للدولة والمشروع الخاص، وتحقيق العلاقة الإيجابية بين فوائد السوق والتدخل الحكومي، وإدارة عملية التقدم التكنولوجي والمعرفة، بما في ذلك إصلاح التعليم، والتوجه على نحو عملي وفعال لمعالجة مشكلة الأمية والبطالة في المحافظات الفقيرة التي عانت من التهميش وغياب مشاريع التنمية، من أجل منع استقطاب الشباب المهمش والعاطل عن العمل من قبل التنظيمات الإرهابية.