11 سبتمبر 2025

تسجيل

القطن المصري.. ضحية تضارب السياسات

19 أغسطس 2015

القطن المصري عصب الزراعة المصرية يقع ضحية تضارب السياسات والقرارات التي تتبناها الحكومة منذ فترة طويلة، وهو ما يفرز أزمة حقيقية لقطاع عريض من المزارعين الذين يتمسكون بزراعة مساحات كبيرة من القطن باعتباره ذهب مصر الأبيض الذي ذهب بريقه في السنوات الأخيرة، وكذلك أصحاب مصانع النسيج، الأمر الذي أدى إلى إلغاء قرارات وزارية لوزير الزراعة من قبل رئيس الوزراء، وكأن الوزارة تعمل في حكومة أخرى، وهي سوء إدارة، مما يدل على افتقاد التنسيق وتضارب المصالح، - استثناء من تجربة القناة، حيث تكمن المشكلة في القطن الذي اعتلى عرش الأقطان العالمية منذ عصر محمد علي باشا، والصناعات التي ارتبطت به، وتفوقت فيها مصر. وقد بدأت المشاكل بعد أن حظرت وزارة الزراعة الواردات بهدف زيادة الإنتاج المحلي، وقالت الوزارة في إعلانها عن الحظر إنها تحرص على استعادة القطن المصري لمجده على جميع المستويات، وبعد ثمانية أيام فقط يلغي مجلس الوزراء القرار، ولم يعط أسبابا بخلاف أن ذلك في سياق تطوير زراعة القطن ودعم الفلاحين، فهل نصدق رئيس الوزراء أو الوزير، ومن هو صاحب القرار الذي يجب أن ينفذ ونلتزم به؟ الذي يمثل الصالح العام ومصالح المزارعين ولا يضر بأصحاب المصانع، ويحقق التوازن، فقد تسبب قرار وزارة الزراعة، بوقف استيراد القطن، في رفع التكلفة الإنتاجية على شركات الغزل والنسيج الحكومية، بنسبة تصل إلى 6% خلال شهر، رغم تجميد القرار، واتخاذ قرار بالسماح بالاستيراد، وإلغاء قرار وزارة الزراعة، ولكن استمرار المسلسل بالتخبط والتضارب في القرارات، فإن إدارة الحجر الزراعي لم تفتح باب الاستيراد أمام الشركات، مما أثار انتقادات شركات الغزل والنسيج الحكومية والخاصة، التي طالبت بتنفيذ القرار حتى لا تتعرض للخسائر أكثر من ذلك، بعد أن توقف إنتاجها وتضررت مصالحها لاعتمادها كليا على الأقطان المستوردة والتي تتوافق أكثر مع المصانع، ومع معدات الإنتاج الخاصة بها عن الأقطان المصرية، لأن المصانع المصرية تعتمد على القطن المستورد أكثر من القطن المصري الذي لا يمثل نسبة تذكر من حجم الاستهلاك، حيث إن المصانع تستورد نحو %60 من احتياجاتها من الأقطان من الخارج، كما تبلغ قمة التخبط في سيناريو آخر لقيام بعض الجمعيات التعاونية التابعة للاتحاد التعاوني الزراعي، بملاحقة رئيس الوزراء قضائياً بعد إلغاء قراره بإلغاء حظر استيراد القطن لحين الانتهاء من إنتاج الموسم الجاري التي تبلغ مليون قنطار قطن، وإن كان وقف استيراد القطن يضع شركات الغزل في أزمة حقيقية، لأنه كان يجب حظر استيراد الغزول، لأن الشركات لا يوجد لديها المخزون الكافي من الأقطان المستوردة حتى نهاية الموسم، خاصة أن تكنولوجيا صناعة الغزل في مصر متخصصة في الأقطان القصيرة والمتوسطة، ونسبة قليلة من المصانع لديها القدرة على التعامل مع الأقطان الطويلة التيلة، ولاسيَّما أن رؤساء المجالس التصديرية ورئيس اتحاد الغرف التجارية يعترضون عليه، ووصفوه بالكارثي، نظرا لتداعياته السلبية على تعاقداتهم والتزاماتهم تجاه السوقين المحلي والخارجي وهو ما قد يتسبب في توقيع غرامات على هذه المصانع نتيجة عدم الوفاء بهذه الالتزامات، بالإضافة إلى أن ذلك يرسل إشارات سلبية للعالم، ولاسيَّما أن وزارة الخارجية تلقت خطابا من الحكومة اليونانية أبدت خلاله اعتراضها على قرار الحكومة المصرية بمنع استيراد الأقطان، الأمر الذي يؤثر سلباً على صادراتهم إلى مصر، إلى جانب أن هذا التخبط في اتخاذ القرارات يلقي بظلال من الشك على التزام الحكومة بإنعاش هذا القطاع الذي يدعم الصادرات المصرية ولا يزال يشّكل جزءا كبيرا من القطن فائق الجودة الذي يستخدم لنسج الأقمشة الفاخرة في جميع أنحاء العالم. كما أن هذه السياسات غير المنضبطة تجعل من الصعب على المستثمرين التخطيط للمستقبل، وهذا التخبط يؤكد شعار أن الحكومة ضد الحكومة، فهناك في هذا المشهد اختلاف وزيري الصناعة والزراعة، وانقسام بين منتجي النسيج والملابس الجاهزة في القطاعين العام والخاص وتجار القطن أنفسهم، ورئيس الاتحاد العام للغرف التجارية يؤيد إلغاء محلب قرار الحظر، بينما رئيس شعبة تجار القطن بنفس اتحاد الغرف التجارية يؤكد قرار وزير الزراعة، واشتباك المستوردين مع المصدرين، وتصاعد غضب الفلاحين وإعلانهم مقاضاة رئيس الحكومة وإقامة سرادق عزاء القطن المصري، ولتصل أزمة اشتعال القطن إلى ذروتها، مما يتطلب سرعة وضع الإستراتيجيات المتسقة مع بعضها التي تضمن سياسة زراعية على أسس علمية، لا تعوق احتياجات المصانع المحلية، مع الاهتمام بالترويج للقطن على المستوى الدولي، وإنتاج أصناف طويلة التيلة ذات قيمة عالية لاستعادة مكانة القطن المصري عالمياً.