17 سبتمبر 2025
تسجيلغزة منتصرة إن شاء الله مادامت على الحق سائرة، ولأوامر الله ممتثلة، وبآياته ملتزمة، وبحكمته مؤمنة، ولله ناصرة ومنتصرة ومصدقة لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" (محمد 7). فغزة العزة والكرامة، وغزة المقاومة والتصدي، وغزة الصمود والتحدي.. وضعت هذه الآية نصب عينها، واتخذتها مبدأ عقائديا، وشعارا ساميا، ومسلكا عمليا، ومنهجا جهاديا، وعملت جادة بها وبمضمونها، ونصرت الله بقتالها العدو الصهيوني، ومقاومته وصده، ورد عدوانه، ودحض حججه، فنصرها الله على عدوها، وثبَت أقدامها. ولذا، وفي ضوء ما شهدته، وتشهده أحداث المعركة من وقائع مادية على الأرض أبهرت العالم، وأربكت العدو، وأحرجت ساسته، فإن المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها العسكرية قد انتصرت عسكريا. وبذلك يمكن تبديد الشك في انتصار غزة على عدوها، فهي منتصرة بكل المقاييس العسكرية والموضوعية. وكيف لا؟ وقد أخذت بأسباب النصر والانتصار، فأعدت لعدوها ما استطاعت من قوة وعتاد وسلاح، وقوى وطاقات بشرية مؤمنة بقضيتها وعقيدتها، وغير ذلك من أسباب القوة والنصر، وذلك امتثالا لقوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الأنفال 60). وبذلك، فقد أرهبت المقاومة الفلسطينية إسرائيل، وأقلقت مضجعها، وأربكت حساباتها، وقلبت موازين القوة لديها، وأخرجتها من طورها، وأفقدتها عقلها وصوابها، مما أدى بها إلى التخبط في تحديد أهدافها العسكرية، وتوجيه ضرباتها العشوائية إلى أهداف مدنية صرفه، وتدمير البنية التحتية لمدن قطاع غزة، وهدم المباني السكنية على ساكنيها، وتدمير المساجد، ودور العبادات، واستهداف المستشفيات، وتفجير العربات وسيارات الإسعاف، وقصف مقرات الإغاثة الدولية، وقصف مدارس غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأُنروا). كما استهدفت إسرائيل كل شرائح المجتمع الغزاوي من نساء وأطفال وشيوخ، ولم تستثنِ أحداً من المدنيين العزل، وبشكل عشوائي همجي مجرد من أبسط معاني الإنسانية والذوق والأدب والأخلاق. ولا عجب أن تخلو حرب إسرائيل من القيم الإنسانية والأخلاقية، فهي حرب غير أخلاقية ولا قانونية، فإسرائيل في الأساس مجردة من كل القيم الإنسانية في حروبها على العرب والمسلمين، وهي غازية في كل الأحوال، ومعتدية دائما على جيرانها العرب، ومغتصبة لأراضيهم المحيطة بها، ومشاكسة ومشاغبة ومتحرشة بجيرانها العرب، وتبحث عن حجة وذريعة للاعتداء عليهم بسبب أو دون سبب، فهي دولة عدوانية لا تعرف للسلام معنى، ولا للجيرة مغزى. ومن أين ستأتي الأخلاق والقيم الإنسانية لإسرائيل، وهي آمنة العقوبة مطمئنة للجلاد حيث لا ردع ولا رادع، فالعالم كله في صفها، وداعما لها ومؤيدها، فممن تخاف، ولمن تحسب حساباً، فهي متعالية على العالم بأسره، ولا تلقى له بالا، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، ولذا، فهي تسيء الأدب مع الجميع بما فيهم حليفتها الكبرى وولية أمرها أمريكا. ولكن هذا التجبر والتكبر والتعالي الإسرائيلي، وفقا للسنن الكونية، والإرادة الإلهية، لابد له أن يُمرغ في الوحل، وهاهي إسرائيل تقع في شر أعمالها، وتنكسر وتنهزم في حربها على غزة، وهاهي المقاومة الفلسطينية في المقابل بإمكاناتها البسيطة، وإرادتها القوية كما سبقت الإشارة قد هزمتها، وأحرجتها ودفعتها للبحث عن مخرج من مأزق حربها هذه، والدليل على ذلك اتصال رئيس وزرائها "بنيامين نتنياهو" المتكرر بوزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" للوساطة في إيقاف الحرب.. مع العلم أن قرار الإيقاف ليس بيد جون كيري، بل بيد إسرائيل، لكنها لا تريد أن تقول للعالم إنها خسرت الحرب، وتريد إيقافها، بل تريد حفظ ماء وجهها من خلال وسيط لهدنة مؤقتة لفترة وجيزة، ومن ثم هدنة أخرى إلى آخره تدريجيا في محاولة للعب على عامل الزمن إلى أن يتم حل المشكلة، وإيقاف الحرب على غزة مع احتفاظ إسرائيل بماء وجهها أمام العالم، والظهور بمظهر المنتصر والاحتفال بنشوة الانتصار المزيف. وقد يسأل سائل عن النصر ومقاييسه ومعاييره، وعلى أي أساس تم الحكم على نتائج العدوان الإسرائيلي على غزة، وحسم الموقف لصالح المقاومة في ظل الخسائر المادية وبشرية كبيرة بلغت حصيلتها ألفي شهيد، وكيف يمكننا أن نسمي ذلك انتصاراً؟ وغيرها من الأسئلة غير المنتهية من قبل الانهزاميين والمتخاذلين والمتباكين على أهل غزة. فالمعايير الثابتة في كل أنواع الحروب، لا تقاس حصرا بعدد الخسائر، وحجم الدمار، بل بالنتائج المرتبطة بالأهداف العسكرية المحددة سلفا، بغض النظر عن أسباب الحروب وحججها لأن الأسباب قد تُختلق، والتهم تُلفق، والتبريرات تُسوغ للوصول إلى حجج متعددة وواهية، وهذا ما حصل في تبرير الحرب على غزة متخذة إسرائيل من قتل المستوطنين الإسرائيليين حجة وذريعة واهية للحرب، وكلنا يعرف حقيقة هذه الحجة وهذه المسرحية الهزلية المسوغة للحرب من أساسها. أما فيما يتعلق بنتائج الحرب وأهدافها العسكرية المعلنة وغير المعلنة، فلم تستطع إسرائيل تحقيق الحد الأدنى منها، فما تحقق غير عسكري على الإطلاق، بل مدني في المقام الأول تمثل في ضحايا من البشر والحجر والشجر، ودمار شامل لا يمت لأسباب الحرب ولا أهدافها العسكرية بصلة، ولذا، فيمكننا القول والجزم إن المقاومة انتصرت، خصوصا في ظل ما شاهدناه وسمعناه من تكتيكات واستراتيجيات عسكرية متقنة كلفت إسرائيل الكثير من الخسارة المادية والبشرية في الجانب العسكري، ودفعت بها للتقهقر والتراجع بقواتها البرية (قوات النخبة) من غزة. أما تهجم إسرائيل على كل من أيَد ودعم المطالب الفلسطينية، وحقوقها المشروعة، ما هو إلا نقطة ضعف وسلوك همجي غير مبرر، يدل بشكل أو بآخر على هزيمة إسرائيل وضجرها وعدم قبولها للواقع المرير لمجرى هذه الحرب. ولكن مهما كان حجم الدمار، وعمق الجرح، فثقي يا غزة العزة، وآمني بأنه رغم هذا الدعم المادي، والتأييد المعنوي العالمي للعدو الغاشم، لن تقوى إسرائيل ومن والاها على كسركِ، وكسر إرادتك.. مادمت على الدرب سائرة، وبالحق مطالبة، وعلى الله متوكلة، ومؤمنة ومصدقة بقوله تعالى "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون" (التوبة 51). فلن يصيبكِ يا غزة إلا ما كتب الله لكِ، ولن يضركِ العدو، ومن والاه من الولايات المتحدة والأمم المتحدة بشيء إلا بما كتبه الله عليك، ولذا، فسيري على الهدي.. والنصر السياسي محقق إن شاء الله كما تحقق النصر العسكري، وكونوا على ثقة يا أهل غزة ويا رجال المقاومة أنه لن يستطيع العدو وحلفاؤه أن ينتزع أي شيء بالمفاوضات السياسية ما لم يستطع انتزاعه بالقوة العسكرية، في ظل صمودكم وإرادتكم السياسية.