17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في ثمانينيات القرن الماضي، عُرضت في بيروت مسرحية حملت اسم "فيلم أمريكي طويل". المسرحية عبارة عن مستشفى للمجانين تضم مجموعة من الرجال أصيبوا بعاهات عقلية بسبب أحداث مرت بهم خلال الحرب الأهلية. أحد فصول المسرحية يتحدث خلاله أحد المجانين لطبيبه عن السبب الذي دفعه للجنون، فيقول إنه كان يقاتل إلى جانب القوى التي تحمل لواء المقاومة ومواجهة الاستعمار والإمبريالية العالمية. في إحدى محطات القتال، احتاجت قوى المقاومة للسلاح، فإذا بقوى الاستعمار تمدها بالسلاح والمال. فوجئ المجنون بما حصل حينذاك، لكن الحاجة للسلاح ماسة، ولا مجال للانتظار. في مرحلة لاحقة، نزلت قوى المقاومة إلى خندقها لمواجهة قوى الاستعمار والإمبريالية الرأسمالية، فإذا بالاستعمار ينزل معهم إلى الخندق نفسه، معلناً أنه سيقاتل إلى جانب قوى المقاومة. حاولت الأخيرة إقناع الاستعمار بأنه لا يمكن أن ينزلا سوياً في الخندق نفسه لأنهما أعداء، لكن الاستعمار أصر على موقفه، مما أصاب المتحدث بالجنون بعدما اختلط عليه العدو من الصديق، ولم يعد يستطيع التفريق بينهما. فالعدو الذي نشأ وتربى على معاداته ومواجهته وقتاله بات إلى جانبه في خندق واحد. ولكن ضد من؟! لا أحد، ففقد المسكين عقله وأصيب بالجنون. هذا المشهد من المسرحية التي عرضت قبل أكثر من ثلاثين عاماً يصلح عرضه في أيامنا هذه، بل لعلّنا شهدنا في الأيام الماضية مثيلاً له على أرض الواقع. فالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الدول الست الكبرى وإيران حول برنامجها النووي ربما يصيب بعض أبناء محور المقاومة والممانعة بانفصام الشخصية أو الجنون. فالاتفاق شكل انقلاباً عقائدياً وفكرياً وسياسياً لهذا المحور الذي بنى منهجه وإستراتيجيته ورؤيته ومساره "المقاوم" على مواجهة ومعاداة بلاد "العم سام" وحلفائها.من المعروف أن كل دولة في العالم تجد في نفسها القدرة على التوسع والامتداد، تسعى لذلك بالطريقة التي تجدها محققة لمصالحها، سواء كان ذلك بخوض الحروب أو بالمفاوضات الدبلوماسية وهو ما فعلته إيران مؤخراً. لكن مشكلة إيران تكمن في أنها لم تمهد لهذا المسار الدبلوماسي السلمي أمام مؤيديها وجمهورها "المقاوم". فالعقيدة القتالية لهذا المحور مبنية على العداء للغرب، وأن الولايات المتحدة "غدة سرطانية" يجب استئصالها من الوجود، وأن إيران ستحرق الأخضر واليابس، وأنها لن تُبقي ولن تذر إذا ما تم الاقتراب منها أو من حلفائها، وأن قوى الاستعمار العالمية التي تساعد إسرائيل في احتلال فلسطين ستكون مضطرة لمواجهة إيران التي ترفع لواء تحرير القدس، وأن... ثم بعد ذلك كله، عقدت إيران اتفاقاً مع دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وباتت العلاقة التي تربط وزير خارجيتها بوزير خارجية الغدة السرطانية أحلى "من السمن على العسل"، لدرجة أنهما باتا يناديان بعضهما بالاسم الأول رفعاً للكلفة والرسميات. يذكر اللبنانيون أن أحد أبرز الأسباب التي قدمها حزب الله وحلفاؤه للمطالبة باستقالة حكومة فؤاد السنيورة عام 2007 هي أن الأخير استقبل وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك كونداليسا رايس. فتم تعليق صورة ضخمة للسنيورة وسط بيروت وهو يصافح رايس بعدما تم تعديل صورة الأخيرة لتبدو على هيئة آكلة لحوم البشر تنزف من أسنانها الدماء. اليوم بات بإمكان السنيورة أن يعلق صورة مشابهة على مدخل الضاحية الجنوبية (معقل حزب الله) يظهر فيها محمد جواد ظريف وهو يصافح جون كيري وتنزف من أسنان الأخير الدماء.التهمة الأبرز التي يوجهها حزب الله لخصومه هي أنهم "عملاء السفارة" الأمريكية، ينسقون معها ويلتقون بسفيرها. على الحزب اليوم أن يبحث عن تهمة جديدة، فاللقاءات التي عُقدت بين دبلوماسيي طهران وواشنطن خلال الأشهر الماضية أكثر حميمية وودية من اللقاءات التي عقدها بعض سياسيي لبنان بطاقم السفارة الأمريكية في بيروت خلال عقود. لا خلاف بأن الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني سيغير أموراً كثيرة، لكن أمراً أساسياً يجب المسارعة لتغييره، وهو البنية الفكرية والعقائدية للجانب الإيراني. فلم يعد يستقيم أن تواصل إيران الادعاء بأنها قائدة محور المقاومة والممانعة بعدما صارت صديقة مع "الشيطان الأكبر". على إيران وحلفائها أن يبحثوا عن اسم آخر لمحورهم، وإذا لم يفعلوا ذلك فمن غير المستبعد أن نشهد نوبات جنون شبيهة بالتي شهدناها في مسرحية "فيلم أمريكي طويل"، حيث سيصرخ المجانين.. مقاومة نعم، لكن ضد من؟!